الاثنين 28 أبريل 2025
في أعقاب اقتراح الرئيس دونالد ترامب في فبراير/شباط الماضي بنقل سكان غزة إلى أماكن أخرى، تحدثت تقارير صحفية عن احتمالات نقل الغزيين إلى دول في القرن الأفريقي. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس"، يوم أمس الجمعة، عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن الولايات المتحدة وإسرائيل تواصلتا مع جهات حكومية في السودان والصومال وصوماللاند بشأن إعادة توطين فلسطينيين من قطاع غزة المدمر جراء العدوان الإسرائيلي. أشارت الوكالة أن مسؤولين سودانيين أعلنوا رفضهم لهذا الطرح، بينما نفى مسؤولون من الصومال وصوماليلاند وجود أي اتصالات رسمية بهذا الشأن.
في 4 فبراير/ شباط من هذا العام، وخلال اجتماع في البيت الأبيض، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة لنقل سكان غزة إلى أماكن أخرى، مشيرًا إلى أن القطاع أصبح "غير صالح للبقاء". ومنذ ذلك الحين تداولت العديد من الصحف ووسائل الإعلام الغربية الخبر بصيغ مختلف عن إمكانية نقلهم إلى مكان ما في القرن الأفريقي، معلنة الصومال تارة، ومرة إقليم بونتلاند التابع للحكومة الفيدرالية الصومالية، وتارة ثالثة صوماليلاند التي أعلنت الانفصال عن الصومال منذ 1991.
خصصت أغلب التحليلات المتناولة لخطة ترامب المتهورة اهتمامها لصوماليلاند، وتكررت تقارير إعلامية قديمة تتحدث عن قاعدة عسكرية لإسرائيل في سواحل صوماللاند لمواجهة الحوثيين. بدأت هذه القصة مع مقالة نشرته صحيفة إسرائيلية، في يوليو/ تموز الماضي، روّج صاحبها لأهمية إقدام حكومته على إقامة علاقات مع صوماليلاند، للحصول على تواجد عسكري في جنوب البحر الأحمر، لمواجهة نفوذ إيران في اليمن، متمثلا في جماعة أنصار الله "الحوثيين" الذين يشاركون في جبهة الإسناد العسكري لغزة.
كشف تقرير جديد في صحيفة فاينانشال تايمز أن مسؤولين إسرائيليين، بقيادة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، استطلعوا آراء حكومتي الصومال والسودان، التي تمران بحروب أهلية داخلية، بينما تواصل دبلوماسيون أمريكيون مع صوماليلاند بشأن استقبال سكان غزة، على الرغم من إشارتهم إلى أن المحادثات "ليست متقدمة في الوقت الحالي". وقال مسؤول أمريكي مُطلع على اتصالات واشنطن الأولية مع رئاسة هرجيسا أن المناقشات بدأت حول اتفاق محتمل للاعتراف بالدولة القائمة بحكم الأمر الواقع، مقابل إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية بالقرب من ميناء بربرة على ساحل البحر الأحمر.
كانت وكالة أسوشيتد برس أول من نشر خبر الاتصالات مع الأراضي الثلاثة في شرق أفريقيا، والتي تعاني جميعها من صراعات داخلية. هذا، فضلا عن المعارضة العالمية الواسعة للخطة، ما يجعلان من نقل الفلسطينيين أمرًا مستبعدًا. إضافة إلى هذا، ففريق إدارة ترامب المعني بأفريقيا لم يُعين بعد. وقال المصدر للوكالة: "إلى أن يتم ذلك، فهذه اتصالات أولية مؤقتة للغاية".
نفى رئيس صوماليلاند المنتخب حديثًا، عبد الرحمن محمد عبد الله عروو، وجود أي مناقشات بين حكومته والولايات المتحدة بشأن إعادة توطين الفلسطينيين، ودعا بدلاً من ذلك إلى حل يحظى بدعم توافقي من الدول العربية
لاقت خطة ترامب إدانة واسعة في جميع أنحاء العالم. رفضت الدول العربية والقوى الأوروبية والقادة الفلسطينيون بشدة أي خطوة لتهجير الفلسطينيين. ويعتبر السودان والصومال عضوان في جامعة الدول العربية، ورفضتا مرارًا فكرة التهجير. وصرّح مسؤول صومالي لصحيفة فاينانشال تايمز: "غزة ملك للفلسطينيين وستبقى لهم. موقف الصومال ثابت".
أشارت الصحيفة إلى أن موقف الرئيس الأمريكي متناقض بشأن ما إذا كان سيُسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم في غزة، أو ما إذا كان سينشر قوات أمريكية في قطاع غرة، بناء على تصريحاته السابقة. أعقب ذلك حديث عن أنه "لن يُطرد أي فلسطيني من قطاع غزة"، وذلك في تراجع ملحوظ عن تصريح سابق دعا فيه إلى ترحيل الغزيين إلى الدول العربية المجاورة، من أجل بناء "ريفييرا الشرق الأوسط" في القطاع الذي دمرته حرب الإبادة الإسرائيلية.
أشارت الصحيفة أيضا أن فكرة الاعتراف الأمريكي قد تغري حكومة صوماليلاند، لكن أي اتفاق يشمل استضافة لاجئي غزة قد يزعزع استقرار الدولة القائمة بحكم الأمر الواقع. من جانبه، نفى رئيس صوماليلاند المنتخب حديثًا، عبد الرحمن محمد عبد الله عروو، وجود أي مناقشات بين حكومته والولايات المتحدة بشأن إعادة توطين الفلسطينيين، ودعا بدلاً من ذلك إلى حل يحظى بدعم توافقي من الدول العربية. طبعا، تدرك القيادة الجديدة في هرجيسا أن الرأي العام سيعارض بشدة إخلاء غزة من السكان. وقد يهدد الشرعية الداخلية لحكم صوماليلاند.
السودان، فقد جاء موقفه متوافقًا مع الموقف الصومالي، حيث قال مسؤول حكومي بارز إن بلاده لم تتلقَّ أي عرض أميركي في هذا الشأن، مشددًا على أن أي مقترح من هذا النوع "غير مقبول تمامًا" من قبل الخرطوم
نقلت الصحيفة عن شخص مطلع عن المحادثات الأمريكية مع صوماليلاند قوله: "أن واشنطن لم تتواصل مع السودان أو الصومال. وأن الولايات المتحدة ستُجري مراجعة شاملة لسياساتها تجاه الصومال"، مما قد يؤدي إلى وقف التمويل وإغلاق السفارة الأمريكية في مقديشو، "لذا، فإن فكرة التحدث إليهم بشأن أي شيء مهم هي فكرة سخيفة".
وبالفعل، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أمر تنفيذي، في 21 يناير/ كانون الثاني المنصرم، يقضي بوقف عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لمدة 90 يومًا، في خطوة واضحة للتحول الحاد نحو الموقف الحمائي الذي وعد به الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة، خلال حملته الانتخابية المتمثل في شعاره "أمريكيا أولا". تعد الصومال ضمن قائمة الدول الخمس المتلقية لأكبر حصة من المساعدات الأمريكية في كل أفريقيا.
صرح وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، لوكالة رويترز بأن بلاده "ترفض بشكل قاطع أي مقترح من شأنها تقويض حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه"، مضيفًا أن الحكومة الصومالية لم تتلقَّ أي عرض بهذا الخصوص، وأن مقديشو تعارض بشدة أي خطة تستهدف استخدام أراضيها لإعادة توطين سكان آخرين، بما في ذلك المهجرين من غزة. أما السودان، فقد جاء موقفه متوافقًا مع الموقف الصومالي، حيث قال مسؤول حكومي بارز إن بلاده لم تتلقَّ أي عرض أميركي في هذا الشأن، مشددًا على أن أي مقترح من هذا النوع "غير مقبول تمامًا" من قبل الخرطوم.
يواجه كلا البلدين، تحديات ونزاعات داخلية. لكن مواقفهما الرافضة للخطة تتماشى مع موقف الدول العربية والإسلامية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فأي محاولة لإعادة توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم تثير مخاوف مشروعة من تصفية قضيتهم، وشرعنة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
يظل مصير سكان غزة مرتبطًا بمشروع سياسي قائم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليس عبر البحث عن "منافذ" للهروب من الواقع المرير الذي يعانيه الفلسطينيون تحت القصف والحصار. لذا، فإن أي حديث عن إعادة توطينهم خارج أراضيهم سيواجه بمعارضة
في السياق ذاته، أكد وزير خارجية صوماليلاند، عبد الرحمن ظاهر أدان، في تصريح لوكالة رويترز، "أن حكومته لم تتلقَ أي مقترح رسمي، ولم تدخل في أي مفاوضات مع أي جهة دولية بشأن إعادة توطين الفلسطينيين". يؤثر طرح مثل هذه الفكرة على موقف الإقليم في سعيه لتقرير المصير، وهو حق تكفله المواثيق الدولية. كما يكشف عن تجاهل المجتمع الدولي لقضية الإقليم، على مدار العقود الماضية، ثم محاولة ربطها بشروط مثل التطبيع مع إسرائيل، ليثبت أن الأمر ضرب من الابتزاز.
في مقابل الطرح الأميركي القائم على تهجير السكان، اتفقت الدول العربية مؤخرًا على خطة مصرية لإعادة إعمار غزة بقيمة 53 مليار دولار، وهو ما يعكس مسارًا مختلفًا يحظى بقبول عربي وإسلامي واسع، يساهم في تثبيت الفلسطينيين على أرضهم بدلًا من تهجيرهم.
يرفض الفلسطينيون، بمختلف فصائلهم السياسية، أي مشاريع من شأنها أن تكرس واقع التهجير والتصفية التدريجية لقضيتهم. وفي هذا السياق، وصف المستشار السياسي لحركة حماس طاهر النونو المقترح الأميركي الإسرائيلي بأنه "سخيف"، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني والقادة العرب يرفضونه جملة وتفصيلًا.
على الرغم من عدم وجود مقترح رسمي حتى الآن، إلا أن الرفض الحاد من قبل الصومال والسودان وصوماليلاند يعكس إجماعًا أفريقيًا وعربيًا على معارضة مثل هذه المخططات، ما يجعل الفشل مصير أي محاولة مستقبلية لإعادة طرحها.
في النهاية، يظل مصير سكان غزة مرتبطًا بمشروع سياسي قائم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليس عبر البحث عن "منافذ" للهروب من الواقع المرير الذي يعانيه الفلسطينيون تحت القصف والحصار. لذا، فإن أي حديث عن إعادة توطينهم خارج أراضيهم سيواجه بمعارضة صلبة من الدول والشعوب الداعمة لحقوق الفلسطينيين المشروعة.