الاثنين 24 مارس 2025
اختتمت القمة العادية الـ38 للاتحاد الأفريقي أعمالها في العاصمة أديس أبابا، بمشاركة واسعة من القادة الأفارقة وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية. خلال يومين من المداولات، ناقشت القمة ملفات حيوية شملت قضايا السلام والأمن، التكامل الاقتصادي، وتعزيز الحوكمة المؤسسية في القارة، إلى جانب السعي لدفع مسار التنمية وتحقيق أهداف أجندة 2063، التي تسعى إلى تحويل أفريقيا إلى قوة اقتصادية وسياسية متكاملة.
حمل شعار القمة هذا العام عنوان "العدالة من أجل الأفارقة والمنحدرين من أصول أفريقية عن طريق التعويضات"، حيث أكد الاتحاد الأفريقي في مذكرته المفاهيمية أن التعويضات تشمل "مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى معالجة الظلم التاريخي الناجم عن الاستعمار والعبودية والتمييز المنهجي". وتشمل هذه المبادرات الاعتراف بالانتهاكات التاريخية، والتعويضات المالية، وإعادة الأراضي، والحفاظ على الثقافة الأفريقية، وإصلاح السياسات لضمان المساءلة الدولية وتعزيز حقوق المجتمعات المتضررة.
شهدت الجلسة الافتتاحية تسليم الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي من الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الرئيس الأنغولي جواو لورينسو، في مراسم رسمية. يأتي هذا الانتقال في ظل تحديات كبيرة، أبرزها قضايا السلم والأمن، والتكامل الاقتصادي، والإصلاحات المؤسسية، حيث تعهد لورينسو بمواصلة العمل لتحقيق الوحدة والاستقرار في القارة.
شكلت قضايا السلم والأمن محورًا رئيسيًا في جدول أعمال القمة، حيث نُوقش تقرير مجلس السلم والأمن الأفريقي حول الأوضاع الأمنية في القارة، بما في ذلك تنفيذ خارطة الطريق لإسكات البنادق بحلول 2030. كما حضرت على طاولة النقاش الأزمات في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى الوضع في ليبيا، وسبل دعم مسارات السلام في تلك البلدان.
كذلك، جرى بحث تعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية لتحقيق استجابة منسقة للتحديات الأمنية المستمرة في بعض المناطق. في مجال التكامل الاقتصادي، طُرحت مسألة تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية الهادفة إلى تعزيز التجارة البينية بين الدول الأفريقية. في هذا السياق، قدم الرئيس السابق للنيجر محمدو إيسوفو تقريرًا حول التقدم المحرز في هذا المجال، مع التأكيد على ضرورة الاستمرار في تحفيز الاستثمارات المشتركة. كما نُوقشت العديد من المبادرات الهامة، مثل مبادرة تنزانيا لتسريع الوصول إلى حلول الطهي النظيف، بهدف تحسين الاستدامة البيئية، وجائزة الحسن واتارا للتغذية والأمن الغذائي التي اقترحتها كوت ديفوار لتعزيز الأمن الغذائي في القارة، بالإضافة إلى طلب زامبيا استضافة المؤتمر الأفريقي الثالث لتنفيذ الشراكة المائية في مايو/ آيار 2025.
شكلت انتخابات قيادة مفوضية الاتحاد الأفريقي محور الاهتمام خلال القمة الأفريقية الـ38، حيث تنافس ثلاثة مرشحين من شرق أفريقيا على منصب الرئيس: رايلا أودينغا؛ رئيس وزراء كينيا الأسبق، ومحمود علي يوسف؛ وزير خارجية جيبوتي، وريشار أندريامندراتو؛ وزير خارجية مدغشقر الأسبق.
شهدت الانتخابات تنافسًا شرسًا بين كينيا وجيبوتي، حيث حشد البلدان التأييد لمرشحيهما، لينتهي السباق بفوز الجيبوتي محمود علي يوسف برئاسة المفوضية. أما منصب نائب الرئيس، فقد حُسم لصالح الجزائرية سلمى مليكة حدادي، متفوقة على مرشحتين من المغرب ومصر، في إطار نظام التناوب الإقليمي الهادف إلى تحقيق توازن جغرافي بين أقاليم القارة الخمسة.
تعهد يوسف بالعمل على إسكات البنادق، وتعزيز جهود حل النزاعات الداخلية، إلى جانب تنفيذ إصلاحات هيكلية لضمان الكفاءة والشفافية داخل الاتحاد. وتنتظره تحديات إقليمية كبرى، أبرزها تصاعد أزمة الكونغو الديمقراطية، وسط اتهامات لرواندا بدعم حركة إم23، وكذلك الأزمة السودانية التي خلفت آلاف القتلى وملايين النازحين. كما يُنتظر منه تسريع الإصلاحات المؤسسية التي بدأت عام 2017، وتعزيز التكامل الاقتصادي عبر تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، مع التركيز على مكافحة الفساد لضمان الشفافية والحوكمة الرشيدة داخل الاتحاد.
شهدت هذه الانتخابات أول اختبار عملي للقواعد الجديدة التي اعتمدها الاتحاد الأفريقي كجزء من الإصلاحات المؤسسية، ومع ذلك، ظلت بعض الملفات عالقة، حيث لم تُجرَ انتخابات للجان التنمية الاقتصادية والتجارة والسياحة والصناعة والتعدين، بعدما فشل المرشحون في الحصول على النسبة المطلوبة (70٪) وفقًا لبنود الإصلاحات المقدمة عام 2017.
أما بالنسبة لمقاعد المفوضين الجدد، فقد جرى انتخاب موسى فيلاكاتي من إيسواتيني لتولي حقيبة الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة. في المقابل، أثيرت تساؤلات حول مستقبل المفوض الحالي ألفريد موشانجا، وما إذا كان سيستمر في منصبه حتى الانتخابات المقبلة أو سيتم تعيين مفوض بالإنابة.
فيما يتعلق بمفوضية التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، لم يتم انتخاب أي مرشح لهذه المناصب، بعد استبعاد مولابو كوبيلا لعدم استيفائه لمتطلبات النوع الاجتماعي الجديدة. كما تم انتخاب ماتابوجي من جنوب أفريقيا لقيادة ملف الطاقة والبنية التحتية، وتسلم توم أمواه من غانا حقيبة الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية. بينما احتفظ بانكول أديوي من نيجيريا بمنصبه مفوضا للشؤون السياسية والسلام والأمن بعد إعادة انتخابه.
تعكس هذه النتائج استمرار التحديات الهيكلية داخل الاتحاد الأفريقي، إذ تظل العديد من القضايا العالقة بحاجة إلى حلول عملية، في ظل قيادة جديدة تسعى إلى إعادة هيكلة الاتحاد لمواكبة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.
رغم غياب السودان رسميًا عن أعمال القمة الأفريقية الـ38، إلا أن أزمته، إلى جانب تصاعد النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كانتا في صلب مناقشات الوفود المشاركة. كما شكلت الأزمتان محور اهتمام الصحفيين، الذين طرحوا أسئلتهم على المسؤولين الأفارقة حول سبل معالجة النزاعات المسلحة التي تهدد استقرار القارة. وفي هذا السياق، عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، مساء الجمعة، جلسة خاصة لمناقشة تطورات الوضع في السودان والكونغو الديمقراطية، حيث تركز النقاش على دور الاتحاد الأفريقي في دعم جهود الحل السلمي، ومحاولة وقف النزاع المسلح في البلدين.
وفي اجتماع منفصل، جمع ممثلين عن الاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد، وإثيوبيا، إلى جانب دول عربية وغربية، كشف مبعوث الاتحاد الأفريقي للسودان، محمد بن شمباس، عن قمة أفريقية مرتقبة تهدف إلى تمهيد الطريق لحوار شامل بين الأطراف السودانية، بما يسهم في إيجاد حل سياسي للأزمة المستمرة منذ انقلاب 2021. في سياق متصل، عبّر وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، عن أمل الخرطوم في أن تساهم القيادة الجديدة للمفوضية الأفريقية، برئاسة وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، في إنهاء تجميد عضوية السودان داخل الاتحاد الأفريقي، وهو القرار الذي اتخذ عقب استيلاء الجيش على السلطة، وفرض حالة الطوارئ في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
في الموضوع الليبي، جاءت جهود المصالحة مخيبة للآمال، حيث شهدت مراسم توقيع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في ليبيا، برعاية الاتحاد الأفريقي، غياب القوى السياسية الفاعلة في شرق وغرب البلاد، ما دفع النائب في المجلس الرئاسي، موسى الكوني، إلى وصف المبادرة بالفاشلة. ولم يتضمن حفل التوقيع أي كلمة رسمية لمسؤول ليبي، فيما وقع المندوبون الليبيون على الميثاق بصفتهم ممثلين عن الشعب الليبي بشكل عام، وليس عن المؤسسات السياسية القائمة. كما زاد من ضعف المبادرة أنها ظلت مفتوحة دون تحديد سقف زمني لتوقيع الأطراف الليبية عليها، رغم تأكيد الاتحاد الأفريقي أن مختلف القوى الليبية شاركت في صياغتها، إلا أن العديد منها رفض التوقيع.
خلال أعمال القمة الأفريقية، قُدم تقرير مفوضية الاتحاد الأفريقي حول القضية الفلسطينية، حيث جدد الاتحاد موقفه الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض المحاولات الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية. وفي هذا السياق، شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في كلمته أمام القمة على رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو مصادرة أراضيهم، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد للاجئي غزة هو العودة إلى مدنهم وقراهم، وفقًا للقرار الأممي 194. كما دعا إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 242 و338، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي استنادًا إلى مبادرة السلام العربية. وأكد عباس أهمية المؤتمر الدولي للسلام المزمع عقده في يونيو/حزيران المقبل، والذي يهدف إلى تأمين الاعتراف الدولي بدولة فلسطين والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
يُذكر أن الاتحاد الأفريقي استبق أي جدل حول مشاركة إسرائيل، حيث أصدرت مفوضية الاتحاد مذكرة رسمية تحدد قواعد مشاركة الجهات الحاصلة على صفة مراقب، والبالغ عددها 87 جهة. وأوضحت المذكرة أن الحضور سيقتصر على جلستي الافتتاح والاختتام فقط، مع اقتصار الدعوات على رؤساء البعثات دون السماح بمرافقة أي وفود أو مستشارين، وذلك في أعقاب طرد الوفد الإسرائيلي خلال القمتين الـ36 والـ37. إلى جانب ذلك، ناقش القادة الأفارقة مشروع إعلان للتضامن مع هايتي، في ظل الأزمة الأمنية الحادة التي تمر بها البلاد، ما يعكس التزام الاتحاد الأفريقي بدعم القضايا الدولية العادلة، وتعزيز الاستقرار العالمي.
ناقشت القمة الأفريقية الـ38 كذلك تأثير السياسات الأمريكية على القارة في عهد الرئيس دونالد ترامب في ولايته السابقة ، لا سيما في ما يتعلق بعضوية الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية ووضع الحواجز التجارية. وقد أثار القادة الأفارقة مخاوف بشأن تأثير هذه التوجهات على اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2019، إذ بات عليهم إعادة تقييم موقع القارة في النظام التجاري العالمي المتغير. كما أن تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، التي تعد أحد أبرز مصادر المساعدات الخارجية لدول أفريقية، أضاف مزيدًا من التحديات الاقتصادية.
من جهة أخرى، احتلت قضايا التغير المناخي مكانة بارزة في أجندة القمة، حيث قدم الرئيس الكيني وليام روتوتقريرًا عن جهود أفريقيا في مكافحة آثار المناخ السلبية، ومدى تأثيرها على التنمية المستدامة. كما استعرض مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا (Africa CDC) تقارير حول تعزيز الأنظمة الصحية والاستعداد لمواجهة الأوبئة المستقبلية، مع التأكيد على أهمية بناء أنظمة صحية قوية، لتحسين جاهزية القارة للتحديات الصحية المقبلة.
رغم الخطاب المستمر عن الوحدة الأفريقية، لا تزال الانقسامات قائمة داخل القارة، سواء بين الدول الناطقة بالفرنسية والإنجليزية، أو بين دول ذات خلافات تاريخية. ويبرز التنافس بين المغرب والجزائر كأحد أوجه هذه الانقسامات، حيث تؤثر خلافاتهما حول الصحراء الغربية على الاصطفافات داخل الاتحاد الأفريقي، مما ينعكس على القرارات السياسية والتصويت على القضايا الإقليمية والدولية، دون أي مؤشرات لتراجع هذه التوترات.
في اختتام أعمال القمة، صدرت توصيات حول ملفات السلم والأمن، والتكامل الاقتصادي، وتنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية، إضافة إلى دعم المبادرات البيئية والصحية، ومعالجة الأزمات الإنسانية والصراعات المسلحة. كما شدد القادة على التضامن الأفريقي مع القضايا العالمية، بما في ذلك الأزمة في هايتي، إلى جانب التأكيد على الموقف الأفريقي الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وسط استمرار التحديات التي تواجه تنفيذ هذه التوصيات على أرض الواقع.