تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

النزاع الإثيوبي - السوداني حول منطقة الفشقة

7 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

تتسم العلاقة السودانية الإثيوبية بخلافات متزايدة حول القضايا الحدودية، والتي تظهر بوضوح في منطقة الفشقة، التي يعود الخلاف بين البلدين حولها إلى بداية القرن الماضي. تُعد الفشقة منطقة حدودية تمتد على طول 168 كلم بين نهري ستيت وعطبرة، تتميز بتربتها الخصبة، حيث تحتوي على حوالي 3 ملايين فدان من الأراضي القابلة للزراعة، مما يجعلها ذات أهمية اقتصادية كبيرة لكلا البلدين.

تصاعد وتيرة الخلافات 

شهدت الحدود بين السودان وإثيوبيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، تصاعدًا في التوترات واشتباكات عسكرية عنيفة في ولاية القضارف، التي تضم منطقة الفشقة، حيث اشتبك مسلحو قوات "فانو" مع الجيش الإثيوبي، وبعد قتال استمر لساعات، تمكنت القوات الإثيوبية من السيطرة على المنطقة.

اندلعت الحرب الأهلية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني،في أبريل/ نيسان 2023، وفي نفس الشهر، شنت ميليشيات إثيوبية هجومًا بريًا على منطقة الفشقة. تكبدت هذه الأخيرة، وفقًا لصحيفة "السوداني"، خسائر فادحة على يد القوات السودانية المنتشرة على الحدود الشرقية. من جانب آخر، عبّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن إدانته لهذه الأحداث عبر بيان على مواقع التواصل الاجتماعي، واصفها إياها بمحاولة لتحريض والوقيعة بين الدولتين، مؤكدًا أن المشاكل الحدودية ستُحل من خلال الحوار الدبلوماسي.

اتهمت السلطات السودانية في يونيو/ حزيران 2022، الحكومة الإثيوبية بقتل سبعة جنود ومدنيين سودانيين كانوا أسرى لديها، بينما نفت السلطات الإثيوبية تورطها في الحادثة، وألقت باللوم على ميليشيات محلية. في المقابل، جاء رد الخرطوم بتعزيز وجودها العسكري في منطقة الفشقة، وإغلاق معبر القلابات الحدودي بين البلدين. من جانبه، صرح شمس الدين الكباشي بأن الرد السوداني اتسم بضبط النفس، لتجنب نشوب حرب بين الطرفين.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تدهورت العلاقات بين السودان وإثيوبيا مع اندلاع الحرب في إقليم تيجراي، مما أتاح للقوات السودانية فرصة لتعزيز وجودها في منطقة الفشقة. وتمكنت من استعادة أجزاء خضعت للسيطرة الإثيوبية لمدة ربع قرن. لكن التوتر تصاعد بشكل خطير مع تعزيز الجيش السوداني انتشاره في المنطقة، فحسب وزير الإعلام السوداني، استعادت القوات نحو 70٪ من الفشقة الصغرى، إحدى المناطق المتنازع عليها، وفي منتصف عام 2021، أعلن الجيش السوداني بسط سيطرته الكاملة على منطقة الفشقة الكبرى، وذلك عقب استعادته مستوطنة "برخت"، التي أُنشِئت عام 1995، وكانت إحدى أبرز النقاط الاستيطانية الإثيوبية في المنطقة.

مع تعثر المفاوضات بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، اتهمت أديس أبابا الخرطوم باستغلال الاضطرابات في إقليم تيجراي للتوسع داخل أراضيها، مستغلة الأوضاع الأمنية الهشة. كما زعمت أن طرفًا ثالثًا يؤجج النزاع، في إشارة إلى مصر. وتصاعدت حدة التوتر بين الدول الثلاث، وسط مخاوف من أن يؤدي الخلاف حول سد النهضة والنزاع الحدودي إلى تصعيد إقليمي أوسع.

تعود جذور هذا النزاع إلى الخلاف بشأن ترسيم الحدود، والناشئ عن المذكرة الأنجلو-إثيوبية لعام 1902. نصت هذه المذكرة على أحقية السودان في منطقة الفشقة، ورغم ذلك، تواصل إثيوبيا رفضها لترسيم الحدود بناءً على خط جوين حتى الوقت الحالي.

بدأت سياسة التعدي الإثيوبي في منطقة الفشقة عام 1957، عندما تمكنت أديس أبابا من بسط سيطرتها على مناطق عدة في ولاية القضارف شرق السودان. قامت السلطات الإثيوبية بطرد المزارعين السودانيين وتوطين مزارعين إثيوبيين في المنطقة، مع دعم وحماية من قوات الشفتا الإثيوبية. وقد ساعد في ذلك انشغال الحكومة السودانية مع الحرب الأهلية التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.

في التسعينيات، شجعت إثيوبيا مواطنيها مجددًا على التوسع في الاستيطان بمنطقة الفشقة، مما أدى إلى نشوب حرب دموية بين إثيوبيا والسودان عام 1992. نتيجة لهذه الأحداث، تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين يقضي بإخلاء المنطقة من القوات المسلحة، وتكليف كتائب الدفاع الشعبي السودانية والإثيوبية بمهمة الدفاع عنها. ووفقًا للتقرير، فقد تنازل الرئيس المعزول عمر البشير بموجب هذا الاتفاق عن حقوق السودان في منطقة الفشقة.

مراحل تسوية النزاع 

بدأت جهود تسوية النزاع بين الحكومة الإثيوبية ونظيرتها السودانية، في عام 1972، حيث اتفقت الدولتان على إعادة ترسيم الحدود ومعالجة قضية الاستيطان، مع منح منطقة الفشقة حكماً ذاتياً بموجب الاتفاقية. ولتنفيذ هذه الأهداف، تم تشكيل لجنة مشتركة، غير أن أعمالها سرعان ما توقفت بسبب اندلاع الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، إلى جانب تغيير الحكومة في إثيوبيا عام 1974.

استغل المزارعون الإثيوبيون الأوضاع السائدة، بين عامي 1972-1995، واستوطنوا المنطقة مستفيدين من أكثر من مليوني فدان، تحت حماية السلطات الإثيوبية. وقامت السلطات بإنشاء القرى والمستوطنات، وربطت البنية التحتية بالأراضي الإثيوبية، مما عزز سيطرتها على المنطقة.

في عام 1998، وبعد اندلاع حرب الحدود بين إثيوبيا وإريتريا، استؤنفت المحادثات السودانية الإثيوبية بعد عقدين من التجميد، وخلالها تم التوصل إلى حلول لبعض المشاكل الحدودية، إلا أن قضية منطقة الفشقة ظلت عالقة دون تسوية.

في عام 2008، بلغت المفاوضات بين إثيوبيا والسودان مرحلة متقدمة، حيث اعتُبرت الأكثر إيجابية في تاريخ هذه المفاوضات. تم التوصل إلى حل وسط بين الطرفين، يضمن بقاء المزارعين الإثيوبيين في المنطقة الحدودية المتنازع عليها، مع اعتراف إثيوبيا بالحدود السودانية التاريخية، وهو ما يُعرف بـ"الحدود الناعمة".

جاء هذا التقدم  لرغبة إثيوبيا في التعاون مع السودان، والتوصل إلى هذه الاتفاقية بهدف الحصول على دعم الخرطوم في اتفاقية إطار التعاون (NBI) التي تم وضعها ضمن مبادرة حوض النيل (CFA). تتعلق هذه الاتفاقية ببناء السدود، وكان الهدف الإثيوبي الرئيسي هو بناء سد النهضة على النيل الأزرق.

تغيّرت الحكومة في إثيوبيا عام 2018، بعد رحيل جبهة تحرير تيجراي وصعود قبائل الأورومو إلى الحكم، حيث تولى آبي أحمد رئاسة الحكومة، حيث بدأت الحكومة في إدانة اتفاقية 2008، ووصفتها بالسرية التي لم يتم اطلاع قبائل الأمهره عليها، رغم أنهم يشكلون أغلبية سكان منطقة الفشقة. في هذا السياق، قامت حكومة إقليم الأمهره بتسليح المستوطنين لمواجهة أي تعديات سودانية محتملة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، صرح آبي أحمد بأن إثيوبيا لم توقع أي اتفاقية مع السودان منذ عام 1972، وأن أي اتفاقية تم توقيعها بعد ذلك تُعتبر لاغية.

مع انشغال الدولتين بالأوضاع الداخلية المشتعلة، فشلت جميع المحاولات الدبلوماسية لحل  المشكلة وتهدئة التوترات. وعلى الرغم من رغبة كلتا الدولتين في الحل السلمي، إلا أنهما لم تقدما أي تنازلات. حيث تصر إثيوبيا على انسحاب الجيش السوداني من منطقة الفشقة، في حين ترفض السودان التنازل عن حقوقها التاريخية في المنطقة.

ختاماً، أخذ النزاع بين السودان وإثيوبيا بعداً جديداً، متحولًا إلى أزمة إقليمية مع انخراط مصر وإريتريا في الصراع. منذ يناير/ كانون الثاني 2021، أبلغ السودان عن توغلات إريترية في الفشقة، حيث تحالفت إريتريا مع إثيوبيا ضد جبهة تيغراي.

في المقابل، عزز السودان تحالفه مع مصر، ما أدى إلى توقيع اتفاقية تعاون عسكرية عام 2021، بعد اعتلاء البرهان السلطة، وازداد التقارب مع القاهرة، مما ربط نزاع الفشقة بأزمة سد النهضة، الذي تعتبره مصر تهديدًا وجوديًا. ومع تعثر مفاوضات السد واستمرار التوترات الداخلية، تصاعدت المواجهة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، مما زاد تعقيد الأزمة.