الخميس 5 ديسمبر 2024
يواجه الصومال تحديات كبيرة في ملف إدارة المياه العذبة، تتراوح بين مواسم الجفاف الممتد التي تهدد الأمن الغذائي والثروة الحيوانية، والفيضانات بما تخلّفه من خسائر بشرية ومادية كبيرة، بالإضافة إلى ضعف تغطية المناطق الريفية والحضرية بمصادر صالحة للمياه العذبة وخدمات الصرف الصحي.
كما يعاني البلد من مخاطر تلوث المياه وتبعاتها من تفشي الأمراض المعدية، مثل الكوليرا، فضلًا عن مخاطر إدارة ملف المياه العابرة للحدود، كما في حالة نهري جوبا وشبيلي اللذين ينبعان من الجارة إثيوبيا، ويلقي ما سبق بتبعاته على الأمن والاستقرار بين المجتمعات المحلية، الزراعية والبدوية، التي تنشب بينها صراعات في إطار التنافس على المياه.
تأتي الموارد المائية العذبة في الصومال من ثلاثة مصادر، وهي الأنهار والمسطحات النهرية، ومياه الأمطار، والمياه الجوفية، ويتمثّل الأول في نهري جوبا وشبيلي، بشكل أساسي، واللذين ينبعان من الهضاب الإثيوبية، ويجريان في جنوب البلاد. يمتد نهر "شبيلي" نحو 630 كم، في الأراضي الصومالية، ويختفي في المستنقعات قبل شاطئ المحيط الهندي بنحو 30 كم، ويبلغ معدل تدفقه في مواسم الأمطار، نحو 75 متر مكعب/ ثانية، فيما يجري نهر "جوبا" مسافة 580 كم، بعد عبوره الحدود الإثيوبية، بنسبة تدفق تبلغ 186 متر مكعب/ ثانية. وتأتي تدفقات النهرين من الهضاب الإثيوبية التي تغذيهما بنحو 90%، في شهور أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران، وسبتمبر/ أيلول إلى نوفمبر/ تشرين الثاني، وتزداد مخاطر الفيضانات في هذه الأشهر، وتشتد خطورتها عندما يرافقها هطول أمطار غزيرة، مثلما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023، حيث أثرت الفيضانات على 706 ألف نسمة، وتسببت في نزوح مؤقت لنحو 113 ألف آخرين.
على النقيض من ذلك، يشهد النهران مواسم من الجفاف، حين ينخفض منسوب هطول الأمطار في المنبع، كما في موجة الجفاف الممتد التي عرفها نهر شبيلي لثلاثة أعوام من عام 2016 حتى 2018، وتشتد موجات الجفاف لاحتجاز سدود ري المشاريع الزراعية في إثيوبيا التدفقات المائية المحدودة في المنابع إبان مواسم الأمطار الضعيفة.
تمثّل مياه الأمطار المصدر الثاني للمياه العذبة، وتختلف في معدل هطولها السنوي من منطقة لأخرى في البلاد، التي تُصنف كبلد جاف وقاحل، مع هطول أمطار سنوي ضئيل، يبلغ في المتوسط 50 - 150 ملم فقط في الشمال والشمال الشرقي، وما بين 400 - 700 ملم في جنوب البلاد، وتتأثر هذه النسب بظاهرة "النينيو" التي تؤدي لزيادة الأمطار إلى درجة الفيضانات، أو ندرتها لتشكل موجات من الجفاف الممتد.
تأتي المياه الجوفية كمصدر ثالث، وتوفر نحو 80% من الإمدادات للسكان، وتقع على أعماق كبيرة بين 100 و300 متر، وفيها نسبة تركيز عالية من الملوحة، ما يجعل 70% منها غير صالح للاستهلاك الآدمي، دون معالجة، بحسب تقرير للبنك الدولي، وتختلف حجم المخزونات الجوفية من منطقة لأخرى في البلاد، تبعًا لنسب هطول الأمطار والمياه السطحية.
توفر هذه المصادر مجتمعةً نحو 7.8 مليار متر مكعب من المياه المتجددة سنويًا، وتبلغ حصة الفرد منها 490 متر مكعب، بينما يبلغ خطّ الفقر المائي 1000 متر مكعب، ما يعني أنّ الصومال يعاني من ندرة في المياه.
يُقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان عدد سكان الصومال بنحو 18.7 مليون نسمة، لعام 2024، وفق معدل نمو يعتبر من بين الأعلى في العالم، ويبلغ 2.55% سنويًا، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على استهلاك المياه، في أشكالها المباشرة، وغير المباشرة في استهلاك اللحوم والمحاصيل الزراعية.
يتصدر إقليم بنادر قائمة الطلب على المياه، مع ازدياد الهجرة الداخلية إلى العاصمة، مقديشو، التي تنمو بمعدل سنوي 6.9%، ويبلغ عدد سكانها 2.1 مليون وفق تقديرات عام 2015، وبحلول عام 2030 سيزيد الطلب بنسبة 44% عن كمية المياه المتوفرة للمدينة من جميع مصادرها. كما سيشهد إقليم أودال في صوماليلاند نقصًا في المياه بحلول العام 2030، حيث يعتبر الأقل في معدل هطول الأمطار في البلاد، ومقابل ذلك، تأتي محافظة جوبا السفلى ثم إقليم باي، في صدارة المناطق الأعلى في معدل هطول الأمطار، ومعدل تجدد المياه الجوفية والسطحية، ولا تحتسب الدراسة المُعتمد عليها الاستهلاك الزراعي من المياه. كما تختبر البلاد تحديات أخرى، منها افتقاد 50% من السكان لمصدر صالح للمياه، ونحو 75% لنظام صرف صحي آمن، مع غياب أية قدرات لإعادة تدوير المياه.
إجمالًا، تتنوع مصادر المياه في الصومال، لكنها تفتقد إلى مؤسسات ومرافق وبنية تحتية لإدارتها، بسبب انعدام الصيانة والاستثمار في المنشآت المائية، سواء على نهري جوبا وشبيلي، والمرافق المتعلقة باستخدام السكان، منذ الحرب الأهلية عام 1991.
تقوم المنظمات الدولية بالدور الأول في توفير التمويل ووضع البرامج لتأمين حصول السكان على مصادر صالحة للمياه، وتوفير نظم تخزين مستقرة لإمدادات المياه لتلبية احتياجات الرعاة، ومن ذلك برنامج البنك الدولي التنموي في مجال المياه والزراعة والثروة الحيوانية والخدمات البيئية، بقيمة 70 مليون دولار.
ترصد منظمات دولية أوجه القصور في إدارة الحكومة الفيدرالية للمياه، ويمكن تحديدها فيما يلي: غيابالتشريعات والقوانين المُنظمة للموارد المائية، ضعف الاستثمار في المشروعات المرتبطة بالمياه، والافتقاد إلى المؤسسات والأطر التنظيمية لإدارة مرافق المياه، والنقص الكبير في المعدات وقدرات الصيانة وقطع الغيار. يُضاف إلى ذلك، ضعف التنسيق بين أطراف المصلحة، وضعف الوعي العام حول قضايا المياه، والتغير المناخي، وزيادة الاستهلاك نتيجة النمو السكاني، والتأثير السلبي للخلافات بين مقديشو والولايات على التنسيق في إدارة المياه، والمخاطر العابرة للحدود على نهري جوبا وشبيلي.
تتضمن خطة التنمية المستدامة (2030) التي وضعتها الأمم المتحدة، هدفين يتعلقان بالمياه، وهما رقم (6.5.1) ويتعلق بدرجة تنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM)، ورقم (6.5.2) ويتعلق بنسبة منطقة حوض المياه العابرة للحدود والترتيبات التنفيذية للتعاون في مجال المياه.
يشتمل الهدف الأول على عناصر فرعية، وهي: البيئة التمكينية من خلال السياسات والقوانين والخطط والترتيبات، والأطر المؤسسية والتنسيق بين القطاعات، ومشاركة القطاع الخاص وأصحاب المصلحة الآخرين، وأهداف المساواة بين الجنسين. بالإضافة إلى، توافر أدوات الإدارة وبرامجها لصياغة قرارات مستنيرة، تغطي رصد مدى توافر المياه والاستخدام المستدام لها، ومكافحة التلوث، والنظم البيئية والكوارث المتعلقة بالمياه، ومشاركة البيانات والمعلومات، وأخيرًا تمويل الاستثمارات بما في ذلك البنية التحتية، والنفقات المالية المتكررة وزيادة العائدات.
حلّ الصومال عام 2017 في ذيل الترتيب الدولي، وفقًا لهذا المؤشر، بمجموع 10 نقاط، ونتيجة العمل مع الشركاء المتعددين، تقدم في المراكز بحلول عام 2023 إلى مستوى متوسط منخفض، بمجموع 34 نقطة من 100.
يكشف هذا المؤشر عن أنّ أصعب التحديات التي تواجه الصومال تتعلق بنقص التمويل المطلوب لتنفيذ برامج وخطط إدارة المياه، ويتمثّل التحدي الثاني في ضعف المؤسسات المسؤولة عن الإدارة. فيما يتعلق بالخبرات، أوفدت الحكومة الفيدرالية العديد من المتدربين إلى مصر، والتقى وزير الطاقة والمياه الصومالي بوزير الري والموارد المائية المصري في حزيران/ يونيو عام 2023 في القاهرة، وأعلن الجانبان عن التجهيز لتوقيع مذكرة تفاهم، في مجال إدارة الموارد المائية والتدريب وبناء القدرات، ورغم مرور عام على اللقاء لم ترّ المذكرة النور بعد.
بالنظر إلى الموازنة العامة التي لا تتجاوز مليار دولار سنويًا، وتعتمد على 70% في التمويل من المنح والهبات الخارجية، فإنّ الصومال غير قادرٍ على توفير الاستثمارات المطلوبة لتدشين مشروعات كبرى في مجال المياه، ولهذا يحتاج البلد إلى الاستفادة بشكل أكبر مما توفره المنصات الدولية المتعددة في مجال المياه. ومن ذلك، المبادرات الأفريقية في قضايا المياه، والتي من بينها "رؤية أفريقيا للمياه 2025"، ومبادرة "AWARE" التي أطلقتها مصر، خلال مؤتمر 27-COP، والتي تهدف إلى توفير التمويل للدول الأفريقية لمواجهة تحديات التغير المناخي في قطاع المياه، والتدريبات التي يوفرها "المركز الأفريقي للمياه والتكيف المناخي"، وغير ذلك من فرص التنسيق في إطار التعاون القاري، من أجل تمثيل أقوى في المحافل الدولية، نظرًا لأنّ القارة واحدة من أشد المناطق تأثرًا بالتقلبات المناخية.
كما تُوصي التقارير الدولية بضرورة التوصل لاتفاق مع إثيوبيا، لتنظيم وإدارة تدفقات نهري جوبا وشبيلي، وفي ظل الخلافات السياسية بين البلدين، فلن يكون مثل هذا الأمر يسيرًا، ولا يمكن استبعاد مساومة أديس أبابا لمقديشو في المستقبل المنظور، للحصول على حقّ الوصول إلى البحر مقابل المياه.
ختامًا، قد يوفر الاستثمار الأجنبي التمويل المطلوب للاستثمار في قطاع المياه والصرف الصحي في البلاد، ولكن مثل ذلك يتطلب بيئة أمنية واقتصادية وحكومية غير موجودة بعد، ومناخ جاذب للاستثمار لن يتحقق في ظل المخاطر الأمنية والاضطرابات السياسية.