تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 16 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
ثقافة

المرأة الأفريقية وبناء السلام.. أدوار منتظرة وأشواق نحو التغيير الإيجابي

21 سبتمبر, 2025
الصورة
المرأة الأفريقية وبناء السلام.. أدوار منتظرة وأشواق نحو التغيير الإيجابي
Share

لم يعد يقتصر دور المرأة الأفريقية في دول جنوب الصحراء على الدور التقليدي الحيوي في التربية، وخدمة الأسرة النووية والممتدة، بل تجاوز ذلك إلى تأدية أدوار متعددة في المجتمع، تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد فرضت متغيرات الحياة، وما تمرّ به تلك الدول من "حروب جديدة" وصراعات على مستوى الدولة الواحدة أو الإقليم، وربما انعكاسات الظروف الدولية- أن تضطلع المرأة بأدوار جديدة، تضاف إلى تلك التي تلعبها تاريخيا.

يقف على رأس قائمة تلك الأدوار، مشاركتها في بناء السلام. وهو مهمة جديدة، انبثقت عن بيئات الحروب والصراعات، التي برعت في صناعتها ملابسات وظروف مختلفة، أغلبها من صنع الإنسان الأفريقي، الذي أدمنت نخبه الفشل، واستمرأت الحياة بغير نزاعات وصراعات. وفي هذا الصدد نستكشف ما تقوم به المرأة الأفريقية جنوب الصحراء من دور (قائم أو متوقع) في بناء السلام، من خلال مراجعة لكتاب "أصوات التغيير: المرأة والدين والآليات التقليدية في بناء السلام الأفريقي".

أصوات التغيير: المرأة والدين والآليات التقليدية في بناء السلام الأفريقي

في البدء لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم "أصوات التغيير" Voices of change، المستخدم في مدخل عنوان هذا الكتاب- يعد من المفاهيم الشائعة الاستعمال في الأدبيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للتعبير عن مضامين، تتفق في كونها تعنى بإبراز ما يخص الأفراد والجماعات من قصص ووجهات نظر- تعمل من أجل التغيير الإيجابي، مع التركيز على عكس تجاربهم وتحدياتهم ونجاحاتهم لإلهام الآخرين، وتعزيز الشعور بالعمل الجماعي. على أن يكون الهدف من ذلك كله تحفيز الآخرين على المشاركة في الحركات الاجتماعية، ودعم المبادرات المحلية، والمساهمة في عالم منصف وعادل.

شهد عام 2024 ميلاد كتاب "أصوات التغيير: المرأة والدين والآليات التقليدية في بناء السلام الإفريقي"Voices of Change: Women, Religion and Traditional Mechanisms in African Peacebuilding؛ وذلك ضمن سلسلة المشاريع البحثية، التي يصدرها مركز الحكماء لأبحاث السلام، في أبو ظبي- الإمارات العربية المتحدة. وهو كتاب جماعي، قامت بتأليفه مجموعة من الباحثين والأكاديميين، الذين يعملون في جامعات: أفريقية وأوروبية وعربية وأمريكية وكندية، ضمن مشروع "المجتمعات الإسلامية وبناء السلام في أفريقيا".

يجب التركيز بشكل خاص على أهمية المعرفة الوجودية الدينية، التي تُدمجها النساء المسلمات في التنشئة الاجتماعية لأطفالهن، وعلى الاستراتيجيات، التي يستخدمنها لإرساء السلام

أفرد هذا الكتاب الذي يتكون من ستة أجزاء، تحتوي على 14 فصلا، إضافة إلى تصدير ومقدمة- جزءا خاصا بالمرأة الأفريقية وبناء السلام، وذلك تحت عنوان "دور المرأة وتجاربها في بناء السلام". وقد شمل هذا الجزء فصلين، الأول بعنوان: "تجارب النساء في سياقات التطرف العنيف: حالة كابو ديلجادو" Cabo Delgado، أعدته لوسي كاليجا، وهي باحثة، بمعهد الدراسات السياسية بالجامعة الكاثوليكية البرتغالية في لشبونة- البرتغال. والثاني بعنوان: "المرأة المسلمة وبناء السلام في أفريقيا: استخدام المرأة للمعرفة الوجودية existential knowledge كأداة لبناء السلام في غانا"، أعده تشارلز بريمبيه، الذي يعمل في مركز الدراسات الثقافية والأفريقية، بجامعة كوامي نكروما العلوم والتكنولوجيا في غانا، بمشاركة ليديا أمواه، وهي باحثة بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة غانا. وهذان الفصلان هما المعنيان بموضوع هذا المقال. وذلك أنهما يقدمان تجربتين مختلفتين من حيث الجغرافيا والإنسان.

نزاع "كابو ديلجادو" في موزمبيق: أدوار نسائية متناقضة

تناولت لوسي كاليجا في الفصل المعنون "تجارب النساء في سياقات التطرف العنيف: دراسة حالة كابو ديلجادو"- بالعرض والتحليل قضية الإرهاب في مقاطعة كابو ديلجادو، التي تقع في شمال موزمبيق، غير أنها تركز بشكل أكثر تحديدًا على الطرق المتعددة، التي تنخرط بها النساء في النزاع. ولتسهيل العرض والتحليل قسمت الباحثة الفصل إلى ثلاثة أجزاء: يرصد الجزء الأول الإرهاب، والعوامل الرئيسية الكامنة وراء ظهوره، لا سيما في جميع أنحاء القارة الإفريقية. أما الجزء الثاني، فيسلط الضوء على التمرد في كابو ديلجادو والتهديد، الذي يُشكله على الأمن البشري. وأما الجزء الثالث، فيتناول بشكل أكثر دقة تجارب النساء في النزاع من مناظير مختلفة، أولها: بوصفهن ضحايا، وثانيها: باعتبارهن داعمات للجماعات الإرهابية، وثالثها: بوضعهن مشاركات في الهجمات، ورابعها: كبانيات سلام.

في حين يُنظر إلى النساء في الغالب بوصفهن ضحايا ومانعات للعنف، إلا أن هناك نقصًا في الأبحاث حول النساء الداعمات للجماعات الإرهابية، والممارسات للعنف

أشارت الباحثة من خلال عرضها إلى نقاط مهمة، منها: أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تغيرت طبيعة الصراعات جذريًا. وأنه لم تعد التهديدات الرئيسية للأمن الدولي- تنبع من الخلافات الأيديولوجية والإقليمية بين دولتين أو أكثر، بل غالبًا ما تشارك فيها جهات فاعلة غير حكومية، بما في ذلك العصابات الإجرامية والميليشيات والمنظمات الإرهابية. وأن العنف الذي تمارسه هذه الجماعات- ينبع من قضايا سوء الإدارة والفساد والتوترات الإقليمية والاقتصاد غير المشروع وندرة الموارد الطبيعية. في السياق ذاته- أبانت الباحثة أن البعد العابر للحدود الوطنية لهذه الأشكال الجديدة من الصراع- يُسهّل انتشار العنف. وأنه في كثير من الحالات، تتخذ الصراعات بُعدًا إقليميًا، حيث تتشابك القضايا العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أدى هذا السياق المعاصر، الذي يُهدد أمن الدول، بشكل خاص، وفقا لرأي الباحثة، إلى اعتماد سياسات وآليات عالمية لحماية المدنيين، والاعتراف بالأدوار المحددة للمرأة في الصراعات العنيفة.

قدمت الباحثة في هذا الفصل- إفادت مهمة في مجال فهم التطرف العنيف والإرهاب، تمهيدا للحديث عن الصراع في كابو ديلجادو، التي تقع في شمال شرق موزمبيق، على الحدود مع تنزانيا، والتي تتميز بأنها أغنى منطقة في البلاد بالموارد المعدنية. لتنتقل إلى الحديث عن دور المرأة في كابو ديلجادو باعتبارها ضحية للنزاع، وداعمة للجماعات الإرهابية، وعنصر بناء في المجتمع. إضافة إلى ذلك تنبه الباحثة إلى جملة من الملاحظات، يأتي ضمنها، أولا: على الرغم من تزايد مشاركة النساء في الحروب الجديدة، وتوليهن أدوارًا رئيسية كقائدات، إلا أن الحرب ما تزال تُعد ظاهرة ذكورية. وثانيا: في حين يُنظر إلى النساء في الغالب بوصفهن ضحايا ومانعات للعنف، إلا أن هناك نقصًا في الأبحاث حول النساء الداعمات للجماعات الإرهابية، والممارسات للعنف.

خلصت الباحثة من خلال عرضها ومناقشتها لنموذج النزاع في كابو ديلجادو- إلى أنه على الرغم من زيادة عدد النساء المشاركات في بناء السلام- فإن التغيير الاجتماعي الفعال، ينطوي على فهم أكبر للسلوكيات والأدوار الجندرية في منطق "الحروب الجديدة". وأنه يُعدّ اتباع نهج مُركّز على الإنسان أمرًا أساسيًا؛ لتحقيق الاستقرار في منطقة شمال موزمبيق، ومعالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والإنسانية والدينية للصراع. وأنه يجب مراعاة هذه العوامل بما يتماشى مع الاهتمامات المحلية، بالتعاون الوثيق مع المجتمعات المحلية والمنظمات، التي تُروّج للمصالح المحلية. إضافة إلى أن المنظمات النسائية الشعبية- تُعدّ جهات فاعلة أساسية في تعزيز فعالية السياسات المُعتمدة على المستويات الدولية والوطنية والمحلية، وفي زيادة الوعي بالتطرف العنيف بين المجتمعات.

المرأة المسلمة ومسار معركة التغيير الإيجابي

أشار الباحثان تشارلز بريمبيه وليديا أمواه في مفتتح فصلهما، الذي أعداه بعنوان "المرأة المسلمة وبناء السلام في أفريقيا: استخدام المرأة للمعرفة الوجودية كأداة لبناء السلام في غانا"- إلى أنهما عند جمع بياناته، استهدفنا قيادات نسائية مسلمة في كوماسي وأكرا. ثم استعرضا خلفية تاريخية، تقوم بمقام التمهيد لموضوع الفصل. ولعل أهم ما ورد فيها يتمثل في، أولا: منذ هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الجهادي على الولايات المتحدة الأمريكية- شهد العالم أشكالًا مختلفة، ومعقدة من الصراعات ذات الدوافع الدينية؛ مما أدى إلى زعزعة استقرار السلام النسبي، الذي ساد بعد الحرب الباردة، باعتباره صراعًا بين الحضارات. ثانيا: اتسم عدم الاستقرار السياسي الأخير في منطقة غرب أفريقيا منذ عام 2020 بتغلغل جماعة بوكو حرام. إضافة إلى تغلغل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في المنطقة. ثالثا: صاحبَ تشابك هوية هذه الجماعات مع "الإسلام السياسي"، وصفُ المسلمين بالعنف في الخطابات الشعبية في المنطقة.

يرى الباحثان في ظل سياق العنف المستوحى من الدين- أن منطقة غرب أفريقيا شهدت زيادة في عمليات الاستيلاء العسكرية، حيث سجلت دول، مثل: تشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو وغينيا بيساو انقلابات في عام 2020 وحده. وأوضحا أن المحللين يعزون تزايد عدم الاستقرار السياسي في المنطقة- إلى الصعوبات الاقتصادية، والحوكمة غير الشاملة، حيث اتخذت جميعها موقفًا دينيًا مع تزايد الأنشطة الجهادية. وردًا على الانقلابات والعنف المستوحى من الدين، وفقا للباحثَين- ركز هؤلاء المحللون إلى حد كبير على الإصلاحات المؤسسية الكلية لدمج الحوكمة الشاملة، والقضاء على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأشارا إلى أن محمد دان سليمان، وهو باحث بارز في دراسات السلام في المنطقة- ذهب إلى أن سبب التطرف السياسي في غرب أفريقيا برز نتيجة لعمليات ديناميكية طويلة الأمد، تنطوي على هياكل حكم قمعية من العنف الرمزي، والمنهجي ضد المواطنين والمجتمعات، وهي السياقات التي تنبثق منها الجماعات الجهادية مثل حركة الشباب، وبوكو حرام، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وفي سياق ذي صلة أورد الباحثان ما مفاده أن كويسي أنينغ، وهو محلل أمني رئيسي من غانا، جادل بضرورة أن تُدمج الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا في حوكمة شاملة من خلال لامركزية الأمن التقليدي القديم، الذي كان يركز على الانتظام في مناهج أكثر تركيزًا على الإنسان. وأبانا أنه في الآونة الأخيرة، ركزت العديد من الدراسات المنشورة على المرأة والسلام والأمن في أفريقيا. ولعلّ أكبر هذه المراجع هو المجلد المحرّر "دليل بالغريف لدراسات المرأة الأفريقية"The Palgrave Handbook of African Women Studies، وهو من تأليف أولاجوموكي ياكوب-هاليسو وتوين فالول. وفي هذا المجلد، شدّدت العديد من الدراسات على ضرورة ضمان المساواة بين الجنسين في قطاع الأمن؛ لكسر التمركز التقليدي للذكورة في هذا المجال.

سبب التطرف السياسي في غرب أفريقيا برز نتيجة لعمليات ديناميكية طويلة الأمد، تنطوي على هياكل حكم قمعية من العنف الرمزي، والمنهجي ضد المواطنين والمجتمعات

استفاض الباحثان، بعد ذلك، في الحديث عن المرأة المسلمة، بالتركيز على حالتي الحاجة/ سانداليا بابلويز، والحاجة صلاح إيمان، بوصفهما واعظتين مسلمتين. ثم عرضا الهيكل الوظيفي للتعليم القرآني. وأتبعا ذلك بالحديث عن المرأة والمعرفة الوجودية والتنشئة الاجتماعية. إضافة إلى الحديث عن ترسيخ المعرفة الوجودية (البراغماتية والوسطية). وقد خلصا إلى جملة من النقاط، لعل أهمها، أولا: يُنذر التصاعد الأخير في الصراعات السياسية، ذات الدوافع الدينية في غرب أفريقيا- بتهديد كبير لغانا. ثانيا: يُخشى مع تزايد الاهتمام بالمجال العام في غانا- أن يُجند الشباب، الذين أصبحوا الآن أكثر توجهًا دينيًا، بسهولة عبر الإنترنت للانضمام إلى الجماعات الجهادية. ثالثا: يجب التركيز بشكل خاص على أهمية المعرفة الوجودية الدينية، التي تُدمجها النساء المسلمات في التنشئة الاجتماعية لأطفالهن، وعلى الاستراتيجيات، التي يستخدمنها لإرساء السلام وضمانه. رابعا: يُمكن للشباب والشابات، بفضل المعرفة الوجودية، أن يكونوا قوةً للتغيير الإيجابي للحد من العنف.

نخلص إلى أن هناك زيادة في عدد النساء المشاركات في بناء السلام في كابو ديلجادو بموزمبيق. وأن الاستقرار في هذه المنطقة- يقوم في الأساس على استهداف إنسان المنطقة بمنهج، يقوم على معالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والإنسانية والدينية للصراع. وأن المنظمات النسائية الشعبية في كابو ديلجادو- تُعدّ جهات فاعلة أساسية في تعزيز فعالية السياسات المُعتمدة على المستويات الدولية والوطنية والمحلية، إضافة إلى الإسهام في زيادة الوعي بخطورة التطرف بين مجتمعات المنطقة. أما في ما يخص غانا- فنخلص إلى أن الصراعات السياسية ذات الأبعاد الدينية، يتوقع أن تشكل تهديدا لعموم البلاد، وذلك من خلال استهداف فئة الشباب، التي يتوقع أن تجند عبر الإنترنت؛ لتكون وقودا لتلك الصراعات.إضافة إلى ذلك أن للنساء المسلمات دورا جوهريا للتغيير الإيجابي في البلاد، ارتكازا على المعرفة الوجودية الدينية، في حال استخدمنها في التنشئة الاجتماعية لأطفالها؛ وذلك للحد من العنف.