تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

المهاجرون الأفارقة في إسرائيل.. واقع مأساوي وعنصرية لا تنتهي

16 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

شهدت إسرائيل في العقود الأخيرة تزايدًا ملحوظا في أعداد المهاجرين واللاجئين الأفارقة، الذين قدموا إليها بحثًا عن الأمان الاقتصادي والسياسي، خاصة القادمين من دول القرن الأفريقي ومناطق شرق القارة التي شهدت اضطرابات سياسية وأمنية خلال السنوات الماضية، وزادت الأعداد بشكل ملحوظ مع اندلاع الصراع بين تل أبيب وحركات المقاومة الفلسطينية، وهو ما فرغ سوق العمل الإسرائيلي من آلاف العمال، سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين الذين ألحقوا بجبهات القتال.

منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصل آلاف العمال الأفارقة إلى إسرائيل منهم 1500 عامل من كينيا، والآلاف من مالاوي وتنزانيا وغيرهما من الدول الأفريقية للعمل في القطاعات الإسرائيلية، يضافوا إلى قرابة 30 ألف طالب لجوء من دولتي إريتريا والسودان ترفض تل أبيب منحهم حق اللجوء، ليشكل إجمالي اللاجئين والعمال والمهاجرين غير الشرعيين الأفارقة في إسرائيل حوالي 250 ألف شخص، وفق إحصاء للمكتبة الافتراضية اليهودية نشرته في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

أوضاع مأساوية تنتظر الأفارقة

على الرغم من تصدير إسرائيل لخطاب يدعى احترام حقوق الإنسان، والالتزام بقوانين العمل إلا أن غالبية المهاجرين الأفارقة يواجهون أوضاع مأساوية، يشترك فيها العمال المؤقتين، مع طالبي اللجوء، وتمتد أحيانا للمواطنين الإسرائيليين من ذوي البشرة السمراء، الذين يعانون من  التهميش والعنصرية، حيث يصف تقرير الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH) أوضاع العمال الأفارقة والمهاجرون في إسرائيل بأنه أقرب ما يكون للعبودية.

انتهاكات رغم تقنين الأوضاع 

في محاولة لتقنين أوضاع العمال الأفارقة هناك، والاستفادة من العجز العمالي الذي تعاني منه إسرائيل، والذي وصل إلى 40 ألف عامل في قطاع الزراعة فقط، وقعت حكومة مالاوي اتفاقية مع نظيرتها الإسرائيلية، لضمان حقوق العمال في إسرائيل، حيث تخطط ليلونغوي لإرسال الآلاف من المواطنيين الملاويين للعمل في قطاعي الزراعة والبناء، كجزء من مساعي الحكومة للاستفادة من تحويلاتهم الدولارية، لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إلا أن أوضاع العمال تسببت في تصاعد الانتقادات الحقوقية في البلاد، وهو ما دفع البرلمان المالاوي إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث الشكاوى، والتي انتهت إلى أن العمال يعملون وفق عقودهم في إسرائيل.

رواتب أقل من المتفق عليه 

يتناقض ما ذكرته لجنة تقصى الحقائق مع تقرير حديث نشره مرصد الأعمال وحقوق الإنسان، (وهو منظمة عمالية معنية بحقوق العمال، وله مكاتب في أكثر من 20 دولة حول العالم)، والذي يشير إلى أن العمال الأفارقة ومن بينهم المالويين لا يتقاضون الرواتب المتفق عليها، وفق التعاقدات التي أبرمتها الحكومة، وهو ما دفع بعضهم للهرب من مواقع العمل بحثا عن فرصة أفضل.

شهادات مروعة من قلب إسرائيل

وثّق المرصد شهادات لعمال أفارقة يعملون في مزارع جنوب إسرائيل، تشير إلى واقعهم حيث جرى اعتقال العديد منهم من قبل السلطات الإسرائيلية، خاصة العمال الذين تركوا أعمالهم في المزارع، بعدما صدموا بالواقع هناك. ففي الوقت الذي يصل فيه الحد الأدنى للأجور في إسرائيل إلى 32 شيكلًا (8.60 دولارًا أمريكا) تقاضى العمال المالاويون ما بين 18 إلى 20 شيكلًا في الساعة، بالإضافة إلى عدم تمتعهم بإمتيازات مثل التأمينات الطبية، والخدمات الاجتماعية وفق شهادات وثقها المرصد.

أوضاع معقدة وخداع ممنهج للعمال

بالعودة لتقرير الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، والصادر بالشراكة مع الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، تشير البيانات التي تم جمعها، إلى أن 65٪ من العمال في إسرائيل يعملون بشكل غير قانوني، حيث يتعرضون للخداع، من قبل مقاولي العمل، وكذلك أصحاب العمل، وما أن يصلوا إلى إسرائيل حتى يفاجئوا بأوضاع معقدة، لا يلتزم فيها المشغلين بما تم الاتفاق عليه قبل السفر.

يشير التقرير أيضا إلى أن هؤلاء الأشخاص، ومن بينهم العمال الأفارقة، معرضون للاعتقال والاحتجاز في أي لحظة، وفي نهاية المطاف للترحيل. كما أن جهات العمل الإسرائيلية لا تحترم الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين - سواء كانوا قانونيين أو غير قانونيين- إذ أنهم لا يحصلون على أيام إجازة أسبوعية، ويحصلون على أجور منخفضة، وظروف عمل سيئة، كما أنهم عرضة لمصادرة جوازات سفرهم.

الارتزاق مقابل تقنين الأوضاع

أوضاع العمالة الأفريقية في إسرائيل لم تكن أسوأ من اللاجئين، الذين انتقلوا إلى تل أبيب بحثا عن فرصة أفضل، حيث ساومت السلطات الإسرائيلية عددا من اللاجئين الأفارقة، على الانخراط في  عملياتها العسكرية في غزة مقابل تقنين الأوضاع، وهو ما وصفه تقرير للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، بأنه محاولة غير أخلاقية لاستغلال أوضاع المهاجرين الأفارقة في إسرائيل، وتخيرهم بين الإبعاد أو السجن أو التحول لمرتزقة في حرب إسرائيل على غزة، معتبرا أن هذه الممارسات تتعارض مع حقوق الإنسان، ومع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

 ترحيل طوعي أو إجبار عليه

في سياق متصل، وثقت عشرات التقارير الحقوقية، ما يعانيه اللاجئون الأفارقة في إسرائيل، والبالغ عددهم وفق تقديرات إسرائيلية حوالي 120 ألف تقريبا، بينما تشير إحصائيات أخرى إلى أنهم لا يتعدون 50 ألفا، حيث تعهدت تل أبيب مرارا بإبعادهم قسريا أو طوعيا، وهو ما حدث بالفعل حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية ترحيل عدد منهم إلى بلدان أفريقية، مقابل الحصول على مبالغ مالية قدرت بحوالي 3500 دولار أمريكي، والزج بمن رفض المغارة إلى السجن، مع تقنين أوضاع أعداد قليلة بشكل مؤقت، حيث تجدد الإقامة كل 3 أشهر.

تقول رابطة غوث المهاجرين العبرانيين (HIAS)  إنه حوالي 45 ألف طالب لجوء من أفريقيا، عبروا صحراء سيناء ودخلوا إسرائيل بين عامي 2005 و2012، مشيرة إلى أن 73٪ منهم من إريتريا و19٪ من السودان (معظمهم من دارفور)، وعقب قيام تل أبيب ببناء سياج حديدي على الحدود مع مصر تقلص هذا العدد  إلى نحو 100 شخص فقط دخلوا البلاد بعد عام 2012.

في فبراير/ شباط 2018، أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، عن إطلاق برنامج لترحيل حوالى 38 ألف مهاجر أفريقي غير نظامي، عبر تخييرهم بين مغادرة الدولة العبرية طوعا أو سجنهم لفترة غير محددة.

اعتقالات ورفض تقنين الأوضاع

تشير الرابطة إلى أن إسرائيل ترفض تسمية هؤلاء النازحين باللاجئين، وتسميهم مهاجرين غير شرعيين، كما أن وزارة الداخلية الإسرائيلية جعلت من الصعب للغاية على هؤلاء الأشخاص تجديد تصاريحهم، وهو ما أدى إلى اعتقال العشرات منهم بسبب عدم تجديد تأشيراتهم، مؤكدة أن غالبيتهم كانوا محتجزون في مركز هولوت وهو مركز احتجاز "مفتوح"  تديره مصلحة السجون الإسرائيلية، ولا يسمح لنزلائه بمغادرته، إلا أن الحكومة الإسرائيلية قررت في نوفمبر /تشرين الثاني 2017، إغلاق المركز وإجبار 4 آلاف من نزلائه على المغادرة طواعية أو الترحيل قسريا، في مدة لا تتجاوز 3 أشهر، وقالت السلطات وقتها إن" المتسللين سيواجهون خيار السجن أو مغادرة البلاد".

 وأكدت الرابطة أن السلطات الإسرائيلية دأبت على جعل حياة طالبي اللجوء الأفارقة للغاية، لإجبارهم على الرحيل، مشيرة إلى أنه في عام 2014، غادر إسرائيل 6400 طالب لجوء أفريقي، نقل بعضهم إلى رواندا وأوغندا، وبعضهم سافر إلى ليبيا.

إذلال وعنصرية 

يوثق الباحث - ياسر أبو حسن، في دراسته التي نشرت تحت عنوان "هجرة الدارفوريين إلى إسرائيل الدوافع والأهداف"، حيث يقول إن غالبية السودانيين في إسرائيل ينحدرون من إقليم دارفور. يعاني الآلاف منهم أوضاعا قاسية وصعبة للغاية، حيث يتكدسون في مناطق فقيرة، ولا يجدون عملا مناسبا. كما أن بعضهم يتخذ من الشوارع والمرافق العامة مكانا للعيش، في حال الفشل في الحصول على عمل يؤهله لاستئجار سكن، خصوصا المهاجرين غير الشرعيين الذين لا تصرف لهم الحكومة أي إعانات، ويعيشون على ما تجود به المؤسسات الحقوقية المحلية أو الدولية، واعتبارًا من عام 2018، يعيش 90٪ من المهاجرين في جنوب مدينة تل أبيب.

ولا يقف الأمر على حد الإبعاد، بل انتقلت موجة العنصرية التي يواجهها اليهود الأفارقة في إسرائيل، إلى الأفارقة المهاجرين، على حد وصف الباحثة علا السايح، في دراسة لها، نشرت تحت عنوان "مأساة المهاجرين الأفارقة تتفجر في تل أبيب إسرائيل.. عنصرية لا تنتهي" والذي يشير إلى تصاعد موجات العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء في  بعض المدن الإسرائيلية، والتي لا تقف على حد المهاجرين غير النظاميين، بل تمتد حتى للمواطنين اليهود من أصول أفريقية، على حد وصف تقارير إعلامية.

طالما قدمت إسرائيل نفسها للمجتمعات الأفريقية، على أنها واحة حريات، وجنة حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يكن هو المتبع مع الأفارقة في الداخل الإسرائيلي سواء كانوا مهاجرين أو عمال أو طالبي لجوء، أو حتى يهودا من أصول أفريقية، حيث عملت تل أبيب دوما على استغلال أوضاع الأفارقة لخدمة مصالحها الخاصة. كما حدث خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، إذ سعت الإدارة الإسرائيلية على جلب عمالة أفريقية، ولم تلتزم الجهات المتعاقدة معهم بنصوص التعاقد، كما فتحت الحكومة الإسرائيلية الباب لتجنيد طالبي اللجوء للقتال في عملياتها العسكرية مقابل تقنين أوضاعهم، كما عاني أصحاب البشرة السوداء من  العنصرية بشكل دائم داخل إسرائيل.