تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الكونغو: حركة إم 23 المتمردة بين الصراع الداخلي والارتباط الإقليمي

2 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share
تصاعدت وثيرة المواجهات بالكونغو بين متمردي حركة 23 مارس المعروفة إعلاميا بحركة "M23" والجيش الحكومي، واستطاعت في الأيام الأخيرة أن تحقق إنجازات عسكرية بشرق البلد، بتقدمها لاكتساح مواقع الجيش، فسيطرت على المزيد من المحاور بالعديد من المحافظات، منذرة بانفجار الأوضاع السياسية أمام إصرار مقاتليها على الزحف.

حسمت الحركة قبل أيام قليلة معركتها بمدينة غوما، عاصمة محافظة شمال كيفو، بالإضافة إلى سيطرتها على مناطق واسعة، فتراجع الجيش بعد هزائم مدوية، دفعت عناصره لتسليم أسلحتهم والفرار. كما استفحلت الأزمة الإنسانية نتيجة نزوح حوالي مليون شخص، أثارت هذه التطورات مخاوف حكومة كينشاسا، كما حركت التحذيرات الغربية من صعوبة الأوضاع وخطورتها، فيما تترقب دول الجوار تقلبات الأوضاع. كما تجددت المخاوف من تداعيات هذه المواجهات على الاستقرار الداخلي وانعكاساته على الجوار، بينما تتجه الأنظار إلى رواندا ودورها في النزاع. 

حركة إم 23 التمرد المتقد

فاجأت أحداث التقدم المفاجئ لقوات الحركة المتمردة بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الجميع، غير أن المتابع لتطور الأحداث سيتوقف على تقدم ملموس، منذ أشهر، للمتمردين لسنوات، في أحد أطول وأعقد الصراعات بالقارة، ولم تنفع معها التحذيرات الدولية ودعواتها لحل سلمي للصراع.

في التفاصيل، استطاع مقاتلو الحركة المتمردة "إم 23" الصمود لسنوات أمام محاولات الجيش الكونغولي إنهاء تمردهم بشرق البلد، وببطء تقدمت الحركة محافظة في البداية على صمود عناصرها في حرب ممتدة، بهذا البلد الأفريقي الأكبر مساحة والأكبر ساكنة بالإقليم. حصل على استقلاله عن بلجيكا، وانتخب باتريس لومومبا أول رئيس وزراء، غير أن الصراعات السياسية ستعصف بحياته السياسية والشخصية، وانتهت بإعدامه. كما عصفت بالبلد في أتون حرب غيّرت معالمه، واسمه إلى "الزائير"، ثم أخيرا "الكونغو الديمقراطية".

ستتعقد مسارات البلد بعد الحرب الأهلية الرواندية 1990-1993، حيث ساهمت قبائل الهوتو التي تمثل الأغلبية برواندا مدعومة بحكومة متطرفة في حرب داخلية، استهدف الأقلية من قبيلة التوتسي، فخلفت قتل أكثر من مليون شخص، وامتدت نيرانها إلى الداخل الكونغولي، حيث احتمت مليشيات قبيلة الهوتو بشرق الكونغو، التي جعلتها قاعدة لهجماتها، وحولت المنطقة الحدودية إلى قاعدة لعملياتها برواندا ثم ضد التوتسيين بالكونغو. 

امتدت ألسنة الحرب للجوار، نتيجة للامتدادات العرقية والحدودية بين البلدين، فاندلعت الحرب الكونغولية الأولى (1996-1997) استمرارا لتداعيات جرائم الإبادة الجماعية برواندا، وانتهت بسقوط نظام موبوتو بعد اجتياح روندا وحركات متمردة للبلد. كما ستؤدي لاندلاع حرب جديدة (1998-2003)، تورطت فيها دول الجوار وأكثر من 20 مجموعة مسلحة. أنهى توقيع اتفاق سلام شامل هذه الحرب، فأرسى دعائم حكومة انتقالية ثم تنظيم انتخابات ديمقراطية، غير أن التمرد تجدد بمنطقة كيفو الشمالية، إحدى المحافظات الحدودية الكونغولية الرواندية الأوغندية، وساهمت اتفاقية 23 مارس/آذار 2009 في نهايته مؤقتا.

أعاد المتمردون السابقون المنشقون من المؤتمر الوطني تأسيس الحركة، في 6 ماي/أيار 2012، بعد انهيار اتفاق السلام الموقع في 23 مارس/آذار 2009، متهمين الحكومة بعدم الوفاء بشروط الاتفاقية. تعرف الحركة محليا "بجيش كونغو الثوري"، ولا يعرف الكثير حول قادتها، غير أن أغلب مقاتليها ينحدرون من أقلية التوتسي الكونغولية في بلاد تضم مئات العرقيات، وتعتبر منطقة كيفو معقل هذه الجماعة المتمردة. 

تنطلق الحركة من سردية دفاعها عن حقوق التوتسي والتنمية بالمنطقة الغنية بالموارد الطبيعية، كما يظل دمج عناصرها في صفوف الجيش الكونغولي أحد الأسباب التي عجلت بإحياء التمرد، واعتبرت إخلال حكومة كينشاسا ببنود الاتفاق سببا من أسباب العودة لحمل السلاح. تُطرح فكرة منح حكم ذاتي حلا للأزمة، معتبرة وفق تصريحات رئيس الجناح السياسي للحركة بأنها تخوض "حربا وجودية" أمام محاولات الحكومة القضاء عليها، وجددت استعداداها للحوار ووقف إطلاق النار. 

رغم نوايا السلام، تتصاعد حدة المواجهات بينهما، واستطاعت الحركة أن تصمد بعد معارك عسكرية دامية، ونجحت في إبرام اتفاق مع الحكومة المركزية عام 2009. لم تفلح في إنهاء الأزمة، ليمتد القتال لغاية نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بعد هزيمتها. غير أنها سارعت لتنظيم صفوفها، وترتيب تحركاتها لتستأنف القتال، فعادت عام 2022 بإعلانها انطلاق تمرد جديد، واستمرت المواجهات مع الجيش شهورا، قبل أن تحقق في الأسابيع الأخيرة مفاجئة مدوية، بسيطرتها على مناطق واسعة مؤذنة باستحالة الحل السياسي.

الحرب والسلام

كانت جهود الوساطة أساسية في إرساء اتفاق هش، ساهم في تعطيل حركية جماعة 23 مارس لسنوات، قبل عودتها للواجهة مصرة على الدفاع عن الإثنية وتعزيز المطالب الجهوية. تجددت الاشتباكات، وعادت لواجهة الأحداث بقوة بعد سيطرتها على مناطق واسعة في الشمال، ومنها إلى محاور جديدة. نجحت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في التقدم مكبدة الجيش خسائر، فقد ساهم زحفها المفاجئ في السيطرة على مناطق عديدة مطلع هذا العام، ويعتبر الفوز بغوما محصلته النهائية، بعد سيطرتها على منطقتي مينوفا وساكي، مستغلة المكانة الاستراتيجية للمدينة كقطب اقتصادي بشرق البلد.

ورغم ذلك، يتأكد بأن تحديات الحرب ومعضلة المواجهات الممتدة، لم تكن وليدة الأسابيع الأخيرة، لدى لا يمكن فهم حقيقة المشهد العام الداخلي دون استحضار محددات عديدة، تتجاوز تشابك القبائل بالمنطقة، ومأزق الصراع على الموارد إلى دور محوري لدول الجوار، وتقاطعات التاريخ المشترك الذي كان التقسيم الحدودي محددا لها؛ فقد عقدت مساراته تداعيات الحرب الأهلية برواندا، وانعكاساتها على الاستقرار بشرق البلد، ثم تحديات الحرب الأهلية الداخلية ومساهمة دول الجوار فيها. 

توقفت المواجهات لسنوات بعد توقيع اتفاق 2003، غير أن الاتفاقية فشلت في تجاوز الأسباب الحقيقية للصراع، مما شكل عاملا على تجديد العودة للسلاح، لتتراوح المواجهات بين تقدم سريع حقق الجيش الكونغولي انتصارات على أفرادها، فتراجع قادتها إلى روندا وأوغندا، تم تكررت المحاولات لإعادة تعزيز قوة التمرد.

عادت للواجهة معركة المواجهات الدبلوماسية التي فشلت في تفكيك محاور هذا الصراع، فاتهمت الحكومة الحركة بأنها مجموعة إرهابية، وحاججت بالدعم الرواندي لها لرفض المفاوضات معها التي تقدم بها الاتحاد الأفريقي ومجموعة شرق أفريقيا، كما تتأكد محدودية دور الأمم المتحدة. ففشلت محاولات الرئيس الأنغولي في الوساطة، مارس/أذار 2024، رغم ترحيب الحركة بالمبادرة إلا أن الحكومة رفضتها.

 لئن نجت المساع الأممية في إرسال بعثة أممية لتحقيق الاستقرار بجمهورية الكونغو الديمقراطية MONUSCO، في نوفمبر/تشرين الثاني 1999، بعد توقيع اتفاق السلام، وحددت مهمتها في إرساء دعائم الاستقرار والسلام برعاية اتفاق وقف إطلاق النار وتنظيم الانتخابات. وجددت وغيرت مهمتها، في يوليو/تموز 2010، بتفويضها حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والحقوقيين، ودعم الحكومة لتحقيق الاستقرار وبناء السلام، ثم ألحقت بها لأول مرة في تاريخ البعثات الأممية وحدة عسكرية هجومية، مهمتها التصدي للجماعات المسلحة المتمردة تحت مسمى لواء التدخل السريع في 2013.

تؤازر هذه البعثة قوة إقليمية تابعة لمجموعة شرق أفريقيا، لكنها لم تدم طويلا، حيث استبدلت بقوة خاصة تابعة للجامعة الإنمائية للجنوب الأفريقي أرسلت إلى المنطقة، وتعرف اختصارا ب SAMIDRC؛ وهي بعثة تابعة للجماعة مهمتها دعم الحكومة في التصدي لتهديد الحركة المتمردة المنتشرة بالمنطقة. 

يؤكد تقييم سريع لآلية عمل مجمل هذه البعثات محدودية أدوارها، ما لم يتم التصدي للأسباب الحقيقية للصراعات، ويعزز هذا المقتضى استمرار حركية التمرد، وتواصل سقوط ضحايا من أفراد البعثتين الأممية والأفريقية إلى جانب عشرات الضحايا المدنيين.

إجمالا، فشلت مباحثات الوساطة لإنهاء تمرد حركة إم 23، مما فتح المجال للغة السلاح، فتواصلت المعارك الضارية بين طرفي النزاع مؤكدة استمراره، وتعثر كل محاولات بناء السلام، ليتجدد الفصل الصعب من تبادل الاتهامات بين كينشاسا ورواندا، وتعتبر الحركة حلقة الوصل المحورية في هذه الأزمة بين البلدين.

الكونغو روندا الاتهامات المتبادلة

تاريخيا، توصف العلاقات بين البلدين بأنها علاقات حذرة يشوبها الكثير من التوتر والتوجس، وشهدت فصلا من المواجهات المباشرة، لا تزال تؤطر مسار التقاطعات بينهما، وتصاعدت في الآونة الأخيرة حدته بتبادل الاتهامات بين البلدين بدعم الحركات المتمردة؛ فتتهم الحكومة جمهورية روندا بدعم حركة إم 23، وترد الحكومة الرواندية باتهام جارتها بدعم متمردي هوتو الرونديون، فينفي كلاهما هذا الدعم والتدخل في الشؤون الداخلية، لكن ذلك لا يخفي نزاعا مستترا بينهما.

تصاعدت الأزمة بين البلدين، فدفعت الكونغو لاعتبار هذه الأحداث بمثابة إعلان حرب من روندا، توجتها بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية بينهما. لفهم محددات بينهما ينبغي استحضار التحركات الرواندية التي تستأثر باهتمام القوى الغربية، لاسيما تأمين سلسلة توريد المعادن، العائدة تاريخيا إلى أدوارها في التصدي للشيوعية خلال فترة الحرب الباردة، فكانت تركز على الإطاحة بنظام الكونغولي ذي التوجهات الاشتراكية، كما أن الامتدادات العرقية لا تزال تشكل وقود الاضطرابات بين البلدين والاتهامات المتبادلة بينهما.

وعليه، يتواصل مسلسل تبادل التصريحات وبيانات الاتهام بينهما، عقب عودة القتال بين الجيش وحركة إم 23؛ إذ دعا وزير خارجية الكونغو بمجلس الأمن إلى فرض عقوبات على روندا، من بينها حظر توريد الأسلحة، وفرض عقوبات على قاداتها. فيما زعمت الحكومة الرواندية بأن النظام هناك يسعى لتغيير النظام برواندا.

بينما تتواصل المواجهات الميدانية يشتد التصعيد الديبلوماسي، الذي وصل ذروته بعد رفض الرئيس الكونغولي المشاركة في قمة مع نظيره الرواندي لإنهاء هذه الأزمة الشهر الماضي، ويزكي فشل هذه المباحثات المخاوف من انزلاق البلدين إلى مواجهات مباشرة.

الصراع المستدام والمخاطر المحتملة

يظل وجود الحركة عبئا على الاستقرار الداخلي، لكن فاتورتها تتضاعف بعد حسمها لمعارك وسيطرتها على مناطق جديدة؛ فيفرض الواقع الجديد ضغطا على الحكومة المركزية، وينذر بتحدياته على المشهد المحلي؛ فتفاقمت الأزمة الإنسانية، ومعها تتواصل التحذيرات العالمية من تفاقم معاناة النازحين، وتفشي الأمراض في صفوفهم مع تقدم القوات، مع ورود تقارير عن استهدافها مخيماتهم.

 تزيد تحديات التعقيدات الإقليمية من مخاطر تقدم هذه الحركة، مما يؤشر بأن تداعيات الصراع ستنعكس على الجوار تأثيرا وتأثرا، لذلك تسارع الحكومة إلى اتهام دول الجوار بدعم ومساندة المتمردين، مما يزكي المخاوف حقيقية من انزلاق التصعيد السياسي بين الجوار إلى حرب إقليمية، لاسيما بعد التهديدات المتبادلة بين كينشاسا وكيغالي، ففشلت جهود الوساطة الأنغولية لإنهائه.

تزكي صدقية هذه التهديدات تكرار سيناريو حرب الكونغو الثانية، والتي تعرف باسم "حرب أفريقيا الكبرى" بعد تورط دول الجوار في هذا النزاع الداخلي، لاسيما الروانديين. دفعت هذه الأزمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إعادة التحذير من "خطر اندلاع حرب الإقليمية"، بعد التطورات المتسارعة والاتهامات المتبادلة بين البلدين. كما دفعت مفوض الاتحاد الأفريقي للسلام والأمن إلى التأكيد على جدية هذه المخاوف؛ مصرحا بدعوته لاحترام الكامل لسيادة الكونغو ووحدتها وسلامة أراضيها. 

ينبئ بصعوبة مستقبل هذه الأحداث فشل قوات حفظ السلم الأفريقية والأممية في استتباب الأمن، فقد فقدت أكثر من 17 عنصرا منذ بداية المعارك، ما يوحي بصعوبة الأوضاع الأمنية وخطورتها، كما أن التطورات الميدانية ساهمت في اندلاع هجمات تخريبية منظمة للمتظاهرين، استهدف عدة سفارات غربية؛ الفرنسية والبلجيكية والأمريكية والأوغندية والجنوب أفريقية والرواندية باتهامها على التواطؤ، واحتجاجا على عدم تحركها لإنهاء التمرد. 

إلى ذلك، يبدو المستقبل ضبابيا بعد أن توقفت جهود السلام، وأطلق عنان المواجهات والتصعيد العسكري على الصعيدين الداخلي بين الحكومة والحركة، وعلى الصعيد الإقليمي بين كينشاسا وجوارها، غير أن السيناريوهات المستقبلية تتراوح بين تصعيد قد ينبئ بتوسيع هوامش الصراع إلى مناطق أخرى، وبين تصعيد منضبط ينتهي بتجميد الصراع والعودة للمفاوضات. ويبدو أن المرجح استمرار هذه المواجهات دون أن تتوسع نطاقاتها لمحاور أخرى، ويؤكده الضغط الدولي والإقليمي على طرفي النزاع للجلوس للمفاوضات ووقف حدة الاقتتال.

في الختام، تستمر الألة الحربية في حصد الاف الأرواح وتستمر الحركات المتمردة وفي مقدمتها حركة إم 23 في تعطيل المسيرة التنموية والسياسية بالكونغو الديمقراطية، لتتأكد الحاجة لحل سياسي مستدام يتوخى علاج الأسباب الجذرية للصراع، بما يكفل تهدئة النعرات الطائفية الداخلية لتتعدى تسريح المقاتلين وإدماجهم إلى اشراكهم في العملية السياسية، ويفكك هاجس التدخلات الدولية.