تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 19 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

الجيل Z خط الدفاع الأخير عن الديموقراطية في أفريقيا

30 مارس, 2025
الصورة
Geeska Cover
Share

في قارة منتهكة اجتماعيًا وسياسيًا يبرز الدور المحوري لجيل Z في القدرة على انتزاع الديموقراطية لأول مرة في أفريقيا؛ ونجاحه في إسقاط أنظمة، وإجبار حكومات على إصلاحات تُلبي مطالبهم في إطار الموجه العارمة للاحتجاجات التي شهدتها القارة مؤخرًا، والتي تمحورت حول كشف فساد السلطات ومنّاهضة السياسات الاقتصادية المجحفة؛ حيث كشفت استطلاعات الرأي أن حوالي 60٪ من الشباب غير راضيين عن ديمقراطياتهم.

يُشكل الجيل طفرة نوعية داخل المشهد السياسي الأفريقي الذي بات جامدًا منذ عقود، حيث يثور على الأنظمة من خلال حركات رفض، تدعو  إلى التغيير الاجتماعي السياسي الجذري. يستخدم الشباب الفن والتكنولوجيا للتعبير عن رفضهم، وبث دعوات التغيير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والموسيقى والرسم على الجدران لإيصال الرسائل، بشكل يجعلها جذابة وفعالة في تجميع وتعبئة الشباب حول قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

الثورة على موروثات الماضي

شهدت أفريقيا في السنوات الماضية موجة احتجاجات عاتية ومتكررة، من السودان إلى جنوب أفريقيا، وصفت تلك الاحتجاجات على أنها صفة تميز الجيل Z؛ أولئك الشباب الذين وُلدوا ما بين عام 1995-2010. في القارة يبلغ متوسط أعمار من هم على رأس السلطة أكثر من 60 عامًا، في المقابل يبلغ متوسط أعمار الذين يحكمونهم أقل من 19 عامًا؛ حيث يُمثل الجيل Z حوالي 70٪ من الكتلة السكانية التي تتراوح أعمارها تحت سن الثلاثين.

بالنظر إلى الاحتجاجات الأخيرة، يتضح أن الدافع الرئيسي خلفها يتمثل في التعبير عن معاناة الشباب جراء التهميش ومحدودية المشاركة الاجتماعية والسياسية. كما يشكك الجيل في مدى فعالية الساسة الحالين على رأس السلطة في تمثيلهم، نتيجة لإفلات أصحاب السلطة من المحاسبة، وفق معايير الديموقراطية. وسط كل هذا الحراك تظل الديموقراطية هدفهم الأسمى، فهم يرون أن "الانقلابات" والتعبير عن أراءهم تمثل خطوة مهمة في إنقاذ الديموقراطيات المّعطلة مع تشكيل وإعادة هيكلة المؤسسات.

يُشكل الجيل طفرة نوعية داخل المشهد السياسي الأفريقي الذي بات جامدًا مٌنذ عقود، حيث كشفت استطلاعات الرأي أن حوالي 60٪ من الشباب غير راضيين عن ديمقراطياتهم

استياء الشباب انعكاس لأوضاع القارة

تعكس الاحتجاجات أوضاع القارة المتردية في ظل الأزمات العالمية الأخيرة التي شهدت تقليص رأس المال المتدفق إلى أفريقيا، وتراجع القروض الصينية منذ عام 2016، تزامن ذلك مع نزوع الأنظمة الاستبدادية نحو العمل على زعزعة استقرار منطقة بأكملها. كما تعلق بفشل سياسات التمويل والإمداد التي استمرت على مدار أربعين عاماً، في محاولة خلق النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل بواسطة تحسين البيئة الاقتصادية بلا جدوى، ما خلق أزمة الديون أعقبتها سياسات التقشف والندرة النقدية، دون أن تستفيد الأغلبية من المشاريع الممولة بهذه الديون، فهي فقط تدفع ثمنها نتيجة لحزمة شروط صندوق النقد الدولي الذي يطالب بتحصيل إيرادات. ولكن بسبب محدودية الوظائف الخاضعة للنظام الضريبي، تجد الحكومات الأفريقية ضالتها في خيار فرض الضرائب على امتيازاتها أو الاستهلاك اليومي من خلال خفض الدعم على السلع اليومية.

يزيد ارتفاع أسعار السلع نتيجة لارتفاع معدلات التضخم الأمر سوء، حيث وصل معدل التضخم في نيجيريا مثلا ما يقارب 40٪. علاوة على سياسات فرض الضرائب التي هددت الحياة الاقتصادية اليومية للمواطنين، وانخفاض نمو متوسط دخل الفرد، حيث لم يشهد نمو إلا بنسبة 1٪ منذ عام 1990، ما يعني تحميل جيل بأكمله عبء إضافي، ليواجه كل هذه التحديات.

في ظل كل هذه الأوضاع المزرية تشهد القارة تضاعف نسبة الأفارقة الحاصلين على الشهادات الجامعية، منذ عام 2000، وتزايد الوعي وتطاير الأحلام في مستقبل أفضل. لكن تتكسر على حطام تعثر الحصول على فرصة عمل في ظل محدودية السوق الأفريقي؛ حيث يبحث 15 مليون شاب سنويا على فرصة عمل، في المقابل يتشبع السوق ب4 مليون فقط، ليواجه البقية معضلة عدم الاستقرار نتيجة للعمل في الأنشطة غير الرسمية، مما يزيد من معدلات الاحتقان والغضب داخل مجتمع الشباب، وتزايد التطلعات لتغيرات جذرية وشاملة لتحسين فرص المستقبل.

بالنظر إلى قارة يبلغ متوسط أعمار من هم على رأس السلطة أكثر من 60 عامًا يبلغ متوسط أعمار الذين يحكموهم أقل من 19 عامًا

#هاشتاج أمل جيل Z في التغيير

أظهرت إحصائية في يناير/ كانون الثاني بأن حوالي 74٪ من حركة الويب في أفريقيا عبر الهواتف المحمولة؛ حيث يعيش العديد من الشباب الآن حالة من التقارب والتواصل عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل منصة "تيك توك" و "إكس"، ومن ثم يمكنهم تصفح ما يدور حول العالم، وتوليد دوافع متشابه وردود أفعال، وحتى مشاركة ما يجول داخل حدود دولهم بضغطة زر واحدة، حيث ظهرت حركات شبابية مثل "يانا مار" في السنغال و"بالي سيتوايان" في بوركينا فاسو اعتمد الشباب في انتشارها على الفن والتكنولوجيا، للتعبير عن رفضهم للأنظمة السياسية القائمة والمطالبة بالتغيير. كما أعربت كل من نيجيريا وأوغندا عن أن نجاح الاحتجاجات في كلًا من السنغال وكينيا مُلهمة لهم، وأبدت زيمبابوي استجابة لنجاح الاحتجاج الطلابي في بنجلاديش.

برز دور جيل Z مؤخرًا في العديد من الدول الأفريقية بمشاركة وسوم يدعو للتغير عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث جاءت أبرز تلك التفاعلات في كينيا في منتصف عام 2024 تحت وسم #RejectFinanceBill2024 فيما يٌعرف برفض مشروع المالية، حيث تصدر الوسم وسائل التواصل الاجتماعي ردًا على  سياسات الرئيس روتو التصديق على مشروع الميزانية الوطنية الكينية، من خلال فرض ضرائب مرتفعة على السلع اليومية، في محاولة لتخفيف عبء الديون المرتفعة على كينيا، وزيادة إيرادات الحكومة، في ظل  تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات الضرائب والبطالة التي تصل ما يقارب 12٪، وارتفاع تكاليف المعيشة ليزيد من الاحتقان العام.

لعب الوسم دورا بارزا في لفت الانتباه إلى قضايا مهمة في الداخل الكيني، وحشد الدعم الشعبي للشباب الذي يُشكل75٪، وفقًا لإحصاء عام 2019. مما برز قدرة النشاط الرقمي على توحيد الكينين حول قضايا مشتركة، وانعكس ذلك على تشكيل الوضع العام، والضغط على صانع القرار للعدول عن المشروع.

اعتمد الشباب في نقل رسائلهم على الفن والموسيقى والتكنولوجيا للتعبير عن رفضهم للأنظمة السياسية القائمة والمطالبة بالتغيير

تأتي نيجيريا هي الأخرى لتشهد تغيرًا تاريخيًا بقيادة جيل Z، حيث تصدر فيديو لرجل يُقتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ وصل إلى مليون تغريدة خلال أسبوعين تدعو لحل منظمة سارس " Anti_roobbery squad" وحدة مكافحة السطو المسلح، والتي أنشئت في لاغوس منذ عام 1992، وكانت تتمتع بدعم حكومي يمكنها من الإفلات من العقاب. انتشر وسم endsars#، وانطلقت الاحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، ما أجبر الحكومة النيجيرية على حل الوحدة كليًا، واستبدالها بوحدة جديدة من قوات التدخل السريع.

على هذا المنوال نجح الشباب النيجري في فرض إرادته، من خلال الضغط على الحكومة لخفض السن القانوني للترشح للمناصب السياسية، تحت #NotTooYoungToRun، جاءت على هامش تهميش دور الشباب، وبالفعل نجحت الحملة، وتم خفض عمر الترشح من 40 إلى 35 عاما، وللمقاعد البرلمان من 30 إلى 25 عاما طبقًا للتعديل الدستوري لعام 2018، و #OccupyNigeria كمحاولة للعدول عن السياسات الاقتصادية برفع الدعم عن الوقود وانتهت بإقرار الحكومة 2012بخفض سعر الوقود جزئيًا بعد رفع الدعم.

شهدت القارة العديد من محاولات التغيير يقودها جيل Z لإجبار الحكومات على القيام بالإصلاحات، وانتزاع حقوقهم للمشاركة في الحياة السياسية، من خلال الارتكاز على اللامركزية للوسائل التواصل الاجتماعي والتنصل من الاحتجاجات التقليدية التي لم يعد لها جدوى. يُمثل جيل Z الآن نقطة الانطلاق الأساسية للوصول للديموقراطية حيث بات الشباب يأسا، ومطعونا بخيبة أمل من سياسات الأنظمة.

المزيد من الكاتب