الاثنين 24 مارس 2025
تمثل الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا تهديدًا متصاعدًا للأمن والاستقرار الإقليمي، حيث تسهم شبكات التهريب، والاتجار بالبشر والجماعات المسلحة في تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وفي ظل ضعف الحوكمة والحدود المخترقة في المنطقة، يتطلب مواجهة الجريمة المنظمة بنهج إقليمي متكامل، يعزز التعاون الأمني والاستخباراتي، ويعالج المشاكل الاقتصادية والسياسية للدول.
تعاني العديد من دول شرق أفريقيا من ضعف الأنظمة الحكومية وهشاشة هياكلها المؤسسية، مما أدى إلى خلق بيئة خصبة لانتشار الجريمة المنظمة، وتغلغل الشبكات الإجرامية في مفاصل الدولة والمجتمع. إن غياب الحكم الرشيد، وضعف سيادة القانون، وافتقار المؤسسات الأمنية والقضائية للموارد والقدرات اللازمة لمواجهة التهديدات الإجرامية، كلها عوامل ساهمت في تحول المنطقة إلى بؤرة للجريمة العابرة للحدود.
يُعد الفساد المستشري داخل أجهزة الدولة أحد أبرز الأسباب التي مكنت العصابات الإجرامية من توسيع نفوذها، حيث أدى تواطؤ بعض المسؤولين وتسلل المصالح الإجرامية إلى الهياكل الحكومية إلى تقويض جهود إنفاذ القانون، وإضعاف ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، فوفقًا لمؤشر الجريمة المنظمة في أفريقيا لعام 2023، تصدرت منطقة شرق أفريقيا قائمة المناطق الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة، مسجلة أعلى معدلات الجريمة المنظمة في القارة بمعدل 5.88.
تتمتع دول شرق أفريقيا بحدود طويلة ومفتوحة، وضعف في أنظمة المراقبة والسيطرة، مما يجعلها نقاط عبور استراتيجية للجماعات الإجرامية العابرة للحدود، وقد تحولت الموانئ غير الخاضعة للرقابة الكافية في الصومال وكينيا وتنزانيا إلى مراكز رئيسية لتهريب البشر والمخدرات والأسلحة. تبلغ الحدود الإجمالية لدول منطقة شرق أفريقيا حوالي 30000 كلم، فضلا عن امتلاكها أطول السواحل في أفريقيا لامتدادها لأكثر من 6000 كلم على المحيط الهندي. كما أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة خاصة بين الشباب، عوامل رئيسية في تغذية الشبكات الإجرامية، حيث يصبح الانخراط في الأنشطة غير المشروعة بديلاً اقتصادياً مغرياً.
يفتح غياب الفرص التنموية الباب أمام الاستقطاب الإجرامي، على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية المبذولة من الاتحاد الأفريقي والمنظمات الأمنية، لا تزال الثغرات في تبادل المعلومات والتنسيق الأمني تشكل عائقًا أمام مواجهة الجريمة المنظمة. كما تؤدي الخلافات السياسية بين الدول وضعف الموارد الأمنية إلى إضعاف آليات تعقب الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، مما يعزز نفوذها في المنطقة.
على صعيد أخر، ساهم الانتشار الواسع للأنترنت والتكنولوجيا الرقمية في تصاعد الجرائم الإلكترونية، حيث باتت الشبكات الإجرامية تعتمد على التكنولوجيا في عمليات التزوير، وغسيل الأموال. وفي ظل ضعف الأمن السيبراني في معظم دول شرق أفريقيا، أصبحت المنطقة ساحة مفتوحة للاحتيال المالي والهجمات الإلكترونية التي تُعزز الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، كما تستغل العصابات الإجرامية الفراغ الرقابي، وضعف آليات الحوكمة في نهب الموارد الطبيعية مثل الذهب والأخشاب النادرة، مما يؤدي إلى ارتفاع عمليات التهريب، وتفاقم النزاعات على الموارد، لذا تضع 74٪ من الشركات في المنطقة المخاطر السيبرانية على رأس أجندتها، وهو ما يفوق المتوسطات العالمية بكثير.
تُعد منطقة شرق أفريقيا مركزًا رئيسيًا للاتجار بالبشر والأسواق غير المشروعة، مما يجعلها واحدة من أخطر بؤر الجريمة المنظمة في العالم. تستغل الشبكات الإجرامية ضعف الحكومات، وغياب سيادة القانون، واستمرار النزاعات المسلحة، لتحويل المنطقة إلى نقطة عبور رئيسية لتهريب البشر. ويسهم هذا النشاط غير القانوني في تفاقم الأوضاع الأمنية، حيث يشكل مصدرًا مهمًا لتمويل الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة، مما يزيد من تعقيد الأزمات في المنطقة ويعرقل جهود الاستقرار والتنمية.
تُعد القرصنة البحرية في شرق أفريقيا ظاهرة إجرامية معقدة تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار الإقليميين، وللتجارة البحرية العالمية. فمع تصاعد الاضطرابات السياسية، وانتشار الفقر، والاستغلال الجائر للموارد البحرية، وجدت الشبكات الإجرامية بيئة خصبة لتوسيع نفوذها، عبر تنظيم عمليات اختطاف السفن، والاتجار غير المشروع بالبضائع والأسلحة والبشر.
تتركز أنشطة هذه الجماعات بشكل خاص في خليج عدن والقرن الأفريقي، حيث تستغل الحدود البحرية الهشة، وضعف الرقابة الأمنية، وكثافة حركة التجارة البحرية لشن هجمات واسعة النطاق. كما يعتبر ساحل شرق أفريقيا المنطقة الأكثر تضرراً أو ارتباطاً بالقرصنة البحرية في ذلك الجزء من القارة، بعد ستة أعوام من الهدوء النسبي من هجمات القراصنة الصوماليين الكبرى، وقعت أكثر من 20 محاولة اختطاف منذ نوفمبر/ تشرين الأول 2024 على ساحل شرق أفريقيا.
من بين أنشطة الجريمة المنظمة العنيفة مهاجمة أو تفجير ماكينات الصرف الآلي، وهو ما يظل مصدر قلق مستمر في كل بلدان المنطقة تقريبا. كانت هجمات ماكينات الصرف الآلي تُنفَّذ في الأساس بأسلوب العمل المعروف باسم "الاحتيال"، ويمكن تنفيذ الهجمات بالقوة، باستخدام المتفجرات أو الغاز. هذا، وتعد هجمات البرامج الضارة على ماكينات الصرف الآلي والصناديق السوداء تكتيكا شائعا آخر تستخدمه العصابات الإجرامية، ووفقًا لأحدث إحصائيات الجريمة الصادرة عن مركز معلومات المخاطر المصرفية في جنوب أفريقيا، زادت الحوادث التي تنطوي على متفجرات في أجهزة الصراف الآلي بنسبة 20٪ في عام 2020.
تكثر عمليات الاحتيال باستخدام بطاقات الائتمان، وهجمات أجهزة الصراف الآلي، والبرامج الضارة، والهجمات الإلكترونية على المؤسسات المالية في منطقة شرق أفريقيا، والعملات المزيفة ليست سوى عددا قليلا من الجرائم المالية الكبرى التي تحدث في المنطقة. تبقى هذه القضايا الأكثر أهمية في مجال الجرائم المالية، بالنظر إلى إجمالي الأرباح غير المشروعة التي تم تحقيقها، والأضرار التي تسببها، التي منها على سبيل المثال الهجمات الإلكترونية في كينيا، التي بلغت 26,6 مليون تهديد سيبراني ما بين أبريل/ نيسان ويونيو/ تموز 2019.
تشكل الجرائم البيئية أولوية بالنسبة لمعظم البلدان في منطقة شرق أفريقيا، حيث تشكل هذه الجرائم خطرًا كبيرًا على مختلف الأنواع والنظم البيئية المختلفة الموجودة في جميع أنحاء المنطقة.
إن الصيد الجائر لمجموعة من الأنواع الحيوانية واستغلال الموارد الطبيعية الذي يحدث في المنطقة له تأثير شديد ليس فقط على البيئة، بل وأيضًا على جهود التنمية والاقتصاد. فهذه الجرائم تدر أرباحاً طائلة على عصابات الجريمة في المنطقة، والتي عادة ما تكون عابرة للحدود الوطنية، وكثيراً ما ارتبطت بالفساد في القطاع العام. بالإضافة إلى الصيد غير القانوني على نطاق واسع على طول الساحل الشرقي لأفريقيا، حيث تقوم السلطات باكتشاف وحظر سفن الصيد غير القانوني كل عام. وعلى الرغم من عدم الإبلاغ عنها في بعض البلدان، فإن منطقة الجريمة هذه يشتبه إلى حد كبير في أنها قضية إقليمية، تحدث في الداخل، وفي بحيرات المياه العذبة، وأيضًا قبالة الساحل الشرقي، وللصيد الجائر تأثير مدمر على الحياة البرية في شرق أفريقيا، مثل إعلان البنغول الأفريقي من الأنواع المهددة بالانقراض، وهو أحد أكثر الحيوانات التي يتم الاتجار بها في أفريقيا
إن الصيد غير القانوني في بحيرة تنجانيقا والبحيرات الأخرى في البلاد كبير، بسبب المستويات المرتفعة من الطلب والربح الاقتصادي وراءه. ومع ذلك، فقد انخفض مدى هذا النشاط مؤخرًا بسبب عمل السلطات المحلية في مكافحة هذه الجريمة، وفي بعض الحالات، يتم تصدير الأسماك بشكل غير قانوني إلى أجزاء أخرى من القارة. وقد شهدت بلدان أخرى في شرق أفريقيا زيادة في حالات الصيد غير القانوني على مدى السنوات القليلة الماضية، ولعل أبرز الأمثلة المرتبطة بسفن الصيد التابعة لجمهورية الصين الشعبية، حيث وُجدت 86 حالة صيد غير قانوني لهذه السفن، وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة بين عامي 2017 و2023.
هناك جانب آخر من الجرائم البيئية يتمثل في جرائم الموارد الطبيعية أو استغلال الموارد الطبيعية. وكثيراً ما يصعب ربط الاستخراج غير المشروع للموارد الطبيعية، أو التلاعب بالعطاءات، أو التلاعب بالعقود، أو الفساد في قطاع الموارد الطبيعية بشكل عام، بالجريمة المنظمة بشكل مباشر. لكن استغلال الموارد الطبيعية من خلال الممارسات الفاسدة محل شك، على نطاق واسع، في مختلف أنحاء المنطقة، ورغم أن استغلال الموارد الطبيعية من المرجح أن يشكل جريمة كبيرة في المنطقة، فإن المعلومات المتاحة حول هذا الموضوع محدودة.
ختاما، في ضوء ما تم ذكره، يتضح أن الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا باتت تشكل تهديدًا متزايدًا للأمن والاستقرار الإقليميين، كما تعرقل جهود التنمية المستدامة وتعزز مناخ الإفلات من العقاب، وإن مواجهة هذا التهديد تتطلب استراتيجية شاملة تستند إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتطوير منظومات الأمن والقضاء. كما أن تبني سياسات أمنية أكثر فاعلية، إلى جانب إصلاحات هيكلية في مؤسسات الدولة، بات ضرورة ملحة لضمان استعادة سيادة القانون وتحقيق الاستقرار في شرق أفريقيا، وإن استمرار هذه الظاهرة دون تدخل حاسم سيؤدي إلى مزيد من التدهور الأمني والاقتصادي، ويجعل المنطقة أكثر عرضة للاضطرابات المستمرة.