تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 19 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الجنود الأفارقة في الحرب الروسية الأوكرانية: بين الاختيار والإجبار

7 أبريل, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

لم تقتصر تداعيات الحرب في أوكرانيا، منذ اندلاعها في فبراير/شباط 2022، على الأطراف المباشرة للصراع، بل امتدت آثارها إلى مناطق بعيدة، ومنها القارة الأفريقية. فعلى الرغم من التزام معظم الدول الأفريقية الحياد تجاه هذا النزاع، وجد عدد متزايد من الأفارقة أنفسهم في خضم المعركة، يقاتلون على جانبي الصراع، سواء في صفوف الجيش الروسي أو الأوكراني.
التحق بعض هؤلاء المقاتلين طواعيةً، سواء عبر شركات أمنية خاصة مرتبطة بالكرملين أو عبر قنوات التجنيد الأوكرانية. في المقابل، وقع آخرون ضحية عمليات خداع واستغلال، حيث تم إغراؤهم بوعود كاذبة، ليجدوا أنفسهم في ساحات القتال بدلاً من ذلك.

ظاهرة متصاعدة وتداعيات متزايدة

أكدت وزارة الدفاع الكاميرونية، في 7 مارس/آذار الماضي، فرار مئات الجنود من البلاد، بهدف السفر والقتال إلى جانب كل من القوات الروسية والأوكرانية، وشدّدت على ضرورة منع هذه الظاهرة، مؤكدةً فرض عقوبات تأديبية صارمة على الفارين. والجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الكاميرون حالات هروب جماعي للجنود، إذ أفادت وسائل إعلام محلية في عام 2020، بأن ما يقارب 600 جندي كانوا يواجهون خطر الفصل من الخدمة، بسبب فرارهم وانخراطهم في صراعات خارجية.
شهدت جمهورية أفريقيا الوسطى، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، احتجاجات واسعة تنديدًا باختطاف جنود من البلاد على يد مجموعة فاغنر التابعة للجيش الروسي، وسط مخاوف متزايدة من تجنيدهم قسرًا. وكانت شركة عسكرية خاصة روسية قد جندت في وقت سابق نحو 100 متمرد سابق من أفريقيا الوسطى، وأرسلتهم إلى خطوط المواجهة في منطقة دونباس شرق أوكرانيا. ونقل عن مقاتل سابق قوله: "زملائي في أوكرانيا تُركوا ليقاتلوا بمفردهم، واضطروا إلى السرقة من المدنيين للبقاء على قيد الحياة".
أعلنت وزارة الداخلية الروسية أنه خلال النصف الأول من عام 2024، حصل أكثر من 3 آلاف مقاتل أجنبي شاركوا في الحرب ضد أوكرانيا على الجنسية الروسية. وفي النصف الثاني من العام نفسه، انخفض عدد المتطوعين الروس للقتال في أوكرانيا بنسبة 80٪، في حين تزايد عدد الأجانب الراغبين في الانضمام، لا سيما بعد رفع مكافأة التجنيد إلى 20 ألف دولار.


كانت شركة عسكرية خاصة روسية قد جندت في وقت سابق نحو 100 متمرد سابق من أفريقيا الوسطى، وأرسلتهم إلى خطوط المواجهة في منطقة دونباس شرق أوكرانيا


أشار تقرير لصحيفة إندبندنت إلى وجود نحو 400 جندي أفريقي من عناصر مجموعة فاغنر في العاصمة الأوكرانية كييف، مؤكداً أن هذه القوات، إلى جانب وحدات شيشانية خاصة، حاولت اغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرتين خلال عام 2022، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الأوكرانية.
أفاد تقرير لوكالة رويترز بأن مجموعة فاغنر، شرعت في تجنيد السجناء الأفارقة المحتجزين في السجون الروسية، مقابل وعود بالعفو بعد ستة أشهر من الخدمة في جبهات القتال. وتشير تقارير إلى أن روسيا جنّدت أكثر من 120 ألف سجين ضمن هذا المسار. وفي خطاب يعكس طبيعة هذا التجنيد، قال مؤسس فاغنر، بريغوجين، مخاطبًا السجناء: "نحن بحاجة إلى مواهبكم الإجرامية".
منذ عام 2014، شهد النزاع في دونباس مشاركة مقاتلين أجانب من أكثر من 50 دولة، حيث انضم نحو 75٪ منهم إلى جانب القوات الروسية، بينما قاتل 25٪ إلى جانب الجيش الأوكراني.

وعود زائفة تسقط في فخ الحرب

وفقًا لتقرير وكالة "أسوشيتد برس"، قامت روسيا خلال النصف الأول من عام 2024 بتوظيف 182 امرأة من دول شرق ووسط أفريقيا، بعدما تم خداعهن عبر إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، تفيد وجود فرص عمل في مجال تصنيع الألعاب. لكن تبيّن لاحقًا أنهن يعملن فعليًا داخل مصانع للطائرات المسيّرة في جمهورية تتارستان الروسية. وصرّحت متحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن هذه التصرفات "قد ترقى إلى مستوى الاتجار بالبشر إذا كان التجنيد قد تم بطريقة احتيالية وكان الغرض منه هو الاستغلال".
أفاد تقرير صادر عن "The Insider" عام 2024 بأن مواطنين من غامبيا والصومال حاولوا العبور من روسيا إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا. وعند توقيفهم، طُرح عليهم خياران: إما الترحيل إلى بلدانهم الأصلية أو التوقيع على عقود عمل مع وزارة الدفاع الروسية. وبحسب التقرير، فإن العقود العسكرية التي عُرضت عليهم تضمنت رواتب تصل إلى ثلاثة آلاف دولار شهريًا، مع إمكانية الحصول على الجنسية الروسية.
في ديسمبر /كانون الأول 2023، تم نقل ما بين 300 إلى 400 شخص من دول جنوب الصحراء الكبرى إلى روسيا برفقة قوات فاغنر. هؤلاء الأفراد لم يكونوا على دراية بأنهم في طريقهم للقتال في الحرب، بل وجدوا أنفسهم مجبرين على الانخراط في النزاع. كما صرح أحدهم قائلاً: "نأتي إلى هنا لنموت في حرب لا نعرف من أين بدأت أو لماذا اندلعت". 


العقود العسكرية التي عُرضت عليهم تضمنت رواتب تصل إلى ثلاثة آلاف دولار شهريًا، مع إمكانية الحصول على الجنسية الروسية


تجدر الإشارة إلى أن روسيا تضم أكثر من 2000 مقاتل أفريقي، ضمن ما يُسمى بـ "فيلق أفريقيا الروسي"، الذي يشكل جزءاً من تشكيلات القوات المقاتلة التابعة لها.
كشفت وكالة "بلومبرج" أن السلطات الروسية تمارس ضغوطًا على العمال المهاجرين والطلاب الأفارقة المقيمين في روسيا، حيث هددت بعدم تجديد تأشيراتهم أو ترحيلهم في حال رفضهم الانضمام إلى القوات المسلحة الروسية أو القتال في أوكرانيا. وذكر التقرير أن بعضهم اضطر إلى دفع رشاوى لمسؤولين لتجنب إرسالهم إلى الجبهة، بينما أفاد طلاب في جامعة روستوف أون دون أن زملاءهم من الطلاب الأفارقة يتعرضون للضغط للانضمام إلى مجموعة فاغنر، مع التهديد بفقدان المنح الدراسية أو رفع الرسوم الجامعية.
أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، في فبراير/شباط 2022، عن تشكيل "فيلق دولي" للدفاع عن أوكرانيا، يضمّ نحو 20 ألف مقاتل من 52 دولة. وقد أثار هذا الإعلان اهتمامًا واسعًا في القارة الأفريقية، إذ أعرب المئات من الشباب عن رغبتهم في الانضمام إلى القتال، مدفوعين بتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدانهم. 
في الأسبوع الأول فقط من الإعلان، تقدّم أكثر من 100 مواطن نيجيري بطلبات للالتحاق بالقوات الأوكرانية. غير أن هذه الدعوات قوبلت بإدانات رسمية من عدة حكومات أفريقية، التي اعتبرت هذه التحركات غير مقبولة. وقد أصدرت كل من نيجيريا والسنغال تحذيرات شديدة اللهجة لمواطنيها من المشاركة في الحرب، مؤكّدتين أن الانخراط في نزاع مسلح خارج حدود الوطن يُعدّ خرقًا للقوانين الوطنية والدولية.
ووفقًا لتقرير، انضم بالفعل 249 مقاتلًا من 14 دولة أفريقية إلى الحرب إلى جانب أوكرانيا، وتصدّرت نيجيريا القائمة بـ97 مقاتلًا، تلتها الجزائر بـ60، ثم جنوب أفريقيا بـ35 مقاتلًا.

خط أمامي بلا رجعة

ذكرت وكالة "بلومبرج" أن المقاتلين الأجانب، ومن ضمنهم الأفارقة، يعانون من معدلات خسائر بشرية مرتفعة، نتيجة لتزايد نشرهم في الخطوط الأمامية، إذ يُستخدم العديد منهم كـ"وقود للمدافع"، حيث يُرسلون إلى الجبهة مباشرة تحت وابل من النيران بهدف الكشف عن مواقع العدو، وغالبيتهم يُدرجون ضمن قوات المشاة، وقد وجد كثيرون منهم أنفسهم في أوضاع يائسة؛ دون دعم، دون ذخيرة، ودون طعام. فهم مرتزقة بلا موارد، وحتى في حال مقتلهم، لا يتم إبلاغ ذويهم.


أصدرت كل من نيجريا والسنغال تحذيرات شديدة اللهجة لمواطنيها من المشاركة في الحرب، مؤكّدتين أن الانخراط في نزاع مسلح خارج حدود الوطن يُعدّ خرقًا للقوانين الوطنية والدولية


أكدت بيان صدر عن القوات المسلحة الروسية عام 2024، مقتل أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي، ممن يقاتلون في صفوف الجيش الأوكراني. وأوضح البيان أن من بين هؤلاء القتلى عشرات المقاتلين الأفارقة، حيث قُتل 47 مقاتلًا من نيجيريا، و28 من الجزائر، و14 من جنوب أفريقيا. في المقابل، لا يزال عدد القتلى من المقاتلين الأفارقة الذين انضموا إلى صفوف الجيش الروسي مجهولًا. وفي تعليق لافت، وصفت السفارة الروسية في جنوب أفريقيا الأراضي الأوكرانية بأنها "مقبرة للمرتزقة".
تُظهر هذه الوقائع أن الحرب في أوكرانيا تجاوزت حدود الجغرافيا والسياسة، لتتحول إلى صراع عالمي الطابع، تُستغل فيه الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعات بأكملها، ولا سيما في إفريقيا. فقد وجد العديد من الشباب والنساء أنفسهم عالقين بين طموحات مشروعة لحياة أفضل، وواقع قاسٍ فرض عليهم الانخراط في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.