تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 28 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الحرب على التمرد: ماذا بعد تحرير القصر الجمهوري؟ 

24 مارس, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

استفاق السودانيون صبيحة 21 من مارس/آذار الجاري على انتصار كبير للقوات المسلحة السودانية والكتائب المساندة لها، متمثلاً في تحرير القصر الجمهوري من قبضة قوات الدعم السريع التي ظلت تحتل المقر السيادي منذ اللحظة الأولى للحرب قبيل عامين بالضبط. 
نزل بيان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبد الله، باستعادة رمز سيادة وكرامة الأمة السودانية برداً وسلاماً على شعب عانى الأمرين من القوات التي تم سحقها وهزيمتها، في ذات المكان الذي شهد الظهور الأول لقائدها، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في أيام تمرده الأولى، والذي زعم قبيل أيام من تحرير القصر الجمهوري أن جنوده ومقاتليه، الذين سحقوا فيما بعد، لن يبرحوا مواقعهم
تمثل عملية تحرير القصر الجمهوري تحولاً استراتيجياً فارقاً في هذه الحرب من مختلف الجوانب: العسكرية والسياسية والإعلامية وغيرها.  

معركة وسط الخرطوم

أتت عملية تحرير القصر الجمهوري بعد التحام القوات المنفتحة من منطقة الشجرة العسكرية وسلاح المدرعات، جنوب غربي مدينة الخرطوم، مع مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، شمال المدينة، في 17 من مارس/آذار الجاري. 
استطاعت قوات منطقة الشجرة العسكرية، خلال انفتاحها شمالاً وغرباً - بعد أن تحطمت على جدران سلاح المدرعات آمال الدعم السريع بالسيطرة على منطقة الشجرة العسكرية عبر موجات متتالية من هجمات في شهر أغسطس/آب 2023- من التضييق على طرق الإمداد التي كان يستعين بها الدعم السريع، ودفع الدعم السريع شمالاً، وبالتالي حصاره في منطقة وسط الخرطوم.


لا يمكن النظر لمسألة تحرير القصر الجمهوري دون العودة ليوم العبور العظيم، 26  سبتمبر/ أيلول 2024   


سيطرت قوات منطقة الشجرة العسكرية على مجمع الرواد السكني في 12 من يناير/ كانون الثاني 2025، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن منطقة المقرن، التي كانت تركز فيها قوات الدعم السريع. ونجحت القوات في مواصلة زحفها، لتتمكن من تحرير المنطقة الصناعية الخرطوم، ودار سك النقود في فبراير/ شباط 2025. وقبيل أسبوعين من التحام قوات منطقة الشجرة العسكرية مع القيادة العامة للقوات المسلحة؛ ظهر قائد منطقة الشجرة العسكرية، اللواء د. نصرالدين عبد الفتاح، في الدفاعات المتقدمة لكبري الحرية بمنطقة وسط الخرطوم. 
كان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، قد خرج في تسجيل مصور بعد إطباق الحصار على قواته معلنا أنهم لن يخرجوا من القصر الجمهوري، ولا من منطقة المقرن، ولا من الخرطوم.
نجحت القوات المسلحة في تحرير القصر الجمهوري، وعدد من الوزارات السيادية، مثل: الخارجية والداخلية في 21 مارس/ آذار 2025، بعد أن سيطرت على جسر المك نمر من الناحية الجنوبية ومباني العمارة الكويتية، الواقعة شرق القصر الجمهوري، قبلها بيوم.
أعقب تحرير القصر الجمهوري السيطرة على عدد من المقار، والمناطق بمنطقة المقرن، مثل: مباني الفرع الرئيسي لبنك السودان المركزي، وقاعة الصداقة، ومتحف السودان القومي،  بالإضافة لمقر رئاسة جهاز المخابرات العامة الذي يقع في الزاوية الجنوبية للقيادة العامة للقوات المسلحة؛ وذلك في 28 من الشهر الجاري. 
وقد تم تحرير جزيرة توتي، ذات الموقع الاستراتيجي، في نفس اليوم. وتمكنت القوات المسلحة صباح الأحد من تطهير بعض الجيوب في منطقة وسط الخرطوم على رأسها: مركز الواحة للتسوق، ومسجد الخرطوم الكبير.


أحدث يوم العبور صدمة في معسكر الدعم السريع، إذ لم يُكشف ظهر تلك القوات في الميدان فحسب؛ بل عرى زيف شعارات رغبة وحرصها على السلام، الحديث الذي حاولت بعض القوى السياسية تغطية سوءة الدعم السريع به


قامت قوات الدعم السريع بعد هزيمتها في القصر الجمهوري، باستهداف القصر بمسيرة انتحارية، استشهد على إثرها المقدم حسن إبراهيم والنقيب عماد الدين حسن التابعين لمركز الشهيد عثمان مكاوي الإعلامي. إضافة لأربعة من طاقم التلفزيون القومي، هم: المنتج فاروق الزاهر، المصور  مجدي عبدالرحمن، والسائق وجه جعفر أونور، والمخرج إبراهيم مضوي الذي لحق برفاقه  بعد تعرضه لإصابات بالغة.   
قال القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في عزاء الشهيد المقدم حسن إبراهيم ألا حيدة ولا تراجع عن الطريق الذي مضى فيه الشهداء، وقدموا روحهم ثمناً، وأنه يجب أن يزول التمرد، وجدد حديثه في عزاء الشهيد فاروق الزاهر.
من جانب آخر، أعلن اللواء محمد عبد الرحمن البيلاوي، قائد عمليات الخرطوم، عن دعوته لمقاتلي الدعم السريع للاستلام حقناً لدماء الشعب السوداني، وأنهم سيتوجهون إلى جنوب الخرطوم فور تطهير منطقة وسط الخرطوم.

يوم العبور

لا يمكن النظر لمسألة تحرير القصر الجمهوري دون العودة ليوم العبور العظيم، 26 من سبتمبر/ أيلول 2024. شهد ذاك اليوم معارك ضارية، استبسل فيها منسوبو القوات المسلحة وكتائب الإسناد، ليعبروا من مدينة أمدرمان غربي النيل الأبيض شرقاً نحو مدينة الخرطوم عبر جسري النيل الأبيض، والإنقاذ "الفتيحاب". 
استطاعت القوات المسلحة، في ذات اليوم العظيم، من عبور النيل منطلقة من قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمالي أمدرمان نحو مدينة الخرطوم بحري فوق جسر الحلفايا؛ سعياً لفك الحصار عن مقرات الجيش المحاصرة والمعزولة في المدينة؛ "سلاح الإشارة والنقل، منطقة الكدرو العسكرية"، وتفكيك المناطق الحصينة لقوات الدعم السريع في مصفاة الجيلي، ومقر الوحدة الطبية للدعم السريع "مقر سلاح المظلات سابقاً"، وضاحية كافوري وغيرها من المناطق بمدينة الخرطوم بحري.  
أحدث يوم العبور صدمة في معسكر الدعم السريع، إذ لم يكشف ظهر تلك القوات في الميدان فحسب؛ بل عرى زيف شعارات رغبة وحرصها على السلام، الحديث الذي حاولت بعض القوى السياسية تغطية سوءة الدعم السريع به، عندما أعلن عضو الوفد التفاوضي للدعم السريع، في لقاء تلفزيوني، أنهم أوقفوا التفاوض مع الجيش، وأن الفيصل بينهم الميدان.


الأحداث الجارية بداية موسم الحصاد بالنسبة للقوات المسلحة والكتائب المساندة والشعب السوداني؛ وهو حصاد تمت تغذيته بدماء المقاتلين وبصبر السودانيين على امتداد عامين عجاف، عملت فيها قوات الدعم السريع على تحويل كل منطقة تطأها من أخضر إلى يابس 


استعادت القوات المسلحة المساحات المحتلة من قبل الدعم السريع بمدينة الخرطوم بحري، أطراف الليل وآناء النهار؛ فتم الربط بين القوات القادمة من أمدرمان ومنطقة الكدرو العسكرية شمالي مدينة الخرطوم بحري بالقوات المرابطة جنوب المدينة بمنطقة بحري العسكرية، لأكثر من عشرين شهراً، في كل من: سلاح الإشارة وسلاح النقل والمهمات، والالتحام بالقوات الصامدة بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة بمدينة الخرطوم في 24 يناير/ كانون الثاني 2025، ومن ثم بسط السيطرة على مصفاة الخرطوم "الجيلي" بعدها بيوم. 
لعل أبلغ دليل على صعوبة معركة العبور، وعظمة التضحيات التي بذلها منسوبو القوات المسلحة في تلك المعركة؛ عدم التمكن من مواراة جثامين الشهداء الثرى إلا بعد خمسة أشهر من تلك المعركة.

ما بعد تحرير المؤسسات السيادية

إن النصر الذي تحقق للقوات المسلحة في منطقة القصر الجمهوري ومحيطه، سيجني عدداً من الثمار العملياتية والسياسية والإنسانية. 
رغم أن مدينة الخرطوم بحري قد تم تحريرها قبيل عدة أسابيع؛ إلا أن مسألة عودة النازحين إلى ديارهم اصطدمت بانعدام المياه بالمدينة، خاصة بعد الدمار الذي لحق محطة مياه بحري الذي تم تقديره بأكثر من 50 مليون دولار عند زيارة فريق فني للمحطة، بتنسيق مع الصليب الأحمر في أشهر الحرب الأولى.  
وصف المدير العام لهيئة مياه ولاية الخرطوم، المستشار محمد علي العجب، قبل شهرين ما لحق المحطة من تدمير بأنه "جريمة في حق مواطني الولاية"، داعياً إلى إرسال فرق فنية وهندسية لتقييم الأضرار. لكن مهمة الوصول للمحطة، المسؤولة عن توفير المياه لحوالي ثلثي سكان مدينة الخرطوم بحري، كان مستحيلاً؛ إذ أن قناصة قوات الدعم السريع كانوا يتركزون في مباني العمارة الكويتية من ناحية الخرطوم، الموقع الذي يجعل المحطة أمام مرمى نيران القناصة؛ وهو ما قد زال بتحرير منطقة القصر الجمهوري. 
من الناحية السياسية، يعد استعادة القصر والمقرات السيادية بمثابة دافع قوي للقوات المسلحة والحكومة السودانية الساعية لفك عضويتها المجمدة بالاتحاد الأفريقي؛ فقد خاطب سفير السودان بإثيوبيا وممثل السودان الدائم بالاتحاد الأفريقي، السفير الزين إبراهيم حسين، مجلس السلم والأمن الأفريقي – الجهة المنوط بها فك تجميد العضوية- للمرة الأولى منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتناولت الجلسة غير الرسمية مسألة الانتقال السياسي في السودان، وعدد من البلدان التي شهدت انقلابات في القارة الأفريقية. 
تزامنت عمليات يوم العبور مع مخاطبة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أعمال الدورة 79  للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ مما حمل رسائل ضمنية  بأن القوات المسلحة هي صاحبة السلطة الفعلية على الأرض، بحسب محللين.  
أقلعت طائرة البرهان، أواسط يناير/كانون الثاني 2025، في جولة أفريقية لزيارة كل من: مالي والسنغال وسيراليون وغينيا بيساو وموريتانيا، والتي تم التطرق خلالها لعدد من الملفات  على رأسها عودة السودان للمنظمة القارية؛ في الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة تحصد ثمار العمليات بولاية الجزيرة، بتحرير عاصمتها مدينة ود مدني وبقية مناطق الولاية، بعد عام من سقوطها بيد قوات الدعم السريع.  
جاءت الانتصارات الأخيرة في وقت رحب في الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرتيش، من خلال مبعوثه الشخصي للسودان، رمطان العمامرة، بخارطة الطريق التي  طرحتها وزارة الخارجية السودانية في 9 فبراير/شباط 2025. تضمنت الخارطة إطلاق حوار وطني شامل، و تشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة، وتعديل الوثيقة الدستورية (وهو ما قد تم 23 فبراير/شباط)، وإخلاء الأعيان المدنية، وعدم القبول بأي وقف إطلاق نار ما لم يرفع الحصار عن المناطق المحاصرة.


قال القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في عزاء الشهيد المقدم حسن إبراهيم ألا حيدة ولا تراجع عن الطريق الذي مضى فيه الشهداء وقدموا روحهم ثمناً، وأنه يجب أن يزول التمرد


في الجانب الآخر، قوبلت مساعي قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة موازية، بعد توقيع ما عرف بميثاق السودان التأسيسي أواخر الشهر الماضي، برفض وتنديد  دولي وإقليمي؛ حيث  رفضتها كل من: جمهورية الصومال الفيدرالية وجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الكويت والمملكة الأردنية الهاشمية، بالإضافة لمجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الأفريقي وجامعة الدول العربية
كل هذه المنجزات تصب في مصلحة تقوية الموقف الحكومي في مسألة الشرعية، دفعاً للأطراف الدولية والإقليمية لتبني خارطة الطريق الحكومية، وتحطيماً لآمال لتشكيل حكومة موازية سميت، زوراً و بهتاناً، حكومة الوحدة والسلام، والتي أراد عرابوها أن تعلن من داخل الخرطوم حيث رمز السيادة: القصر الجمهوري. 
علاوة على كل هذا؛ يمثل تحرير القصر الجمهوري والمرافق السيادية بمنطقة وسط الخرطوم، تأميناً لظهر القوات المسلحة المرابطة على ضفة النيل الأبيض الشرقية؛ مما يتيح للقوات المسلحة الانفتاح في أمدرمان غرباً نحو السيطرة على طريق الصادرات " أمدرمان -بارا" ومداخله، بالإضافة للانفتاح جنوباً نحو منطقة صالحة إلى تخوم جبل أولياء. 
تجد القوات المسلحة نفسها في منطقة الخرطوم العسكرية، بعد التخلص من جيوب الدعم السريع في منطقة السوق العربي وسط الخرطوم، التوجه شرقاً من القيادة العامة لتحرير مطار الخرطوم الدولي وأحياء شرق الخرطوم، واستعادة السيطرة على مناطق جنوب الخرطوم، والالتحام مع قوات درع السودان التي وصلت إلى منطقة صافولا، بمنطقة سوبا جنوبي الخرطوم، يوم الحادي والعشرين من مارس/ آذار الجاري.  
مجملاً، يمكن تلخيص الأحداث الجارية بأنها بداية موسم الحصاد بالنسبة للقوات المسلحة والكتائب المساندة والشعب السوداني؛ وهو حصاد تمت تغذيته بدماء المقاتلين وبصبر السودانيين على امتداد عامين عجاف، عملت فيها قوات الدعم السريع على تحويل كل منطقة تطأها من أخضر إلى يابس.