تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
كتب

الهند الأفريقية: جذور مهاجرة وظلال باقية

3 أبريل, 2025
الصورة
Geeska Cover
Share

تضم كل من كينيا وأوغندا وتنزانيا أقليات من شبه القارة الهندية، يتركز الهنود في شرق أفريقيا بشكل أساسي في المدن الكبرى، لا سيما نيروبي ودار السلام وزنجبار ومومباسا وكمبالا، كما يمكن العثور عليهم في المراكز الحضرية الأصغر وحتى في أبعد القرى الريفية. يلعب المهاجرون دورًا بارزًا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث ينشطون في مجالات مهمة، مثل التجارة والصناعة وقطاع الخدمات، كما يشكلون نسبة كبيرة من أصحاب المهن الحرة.

على الرغم من انقسام الهنود في شرق أفريقيا إلى مجتمعات دينية واجتماعية متعددة، فإنهم يجتمعون في شعور مشترك بهوية ثقافية شاملة. يهدف الكتاب الذي نقدم له بهذه القراءة إلى تقديم صورة شاملة عن المجتمعات ذات الأصول الهندية في شرق أفريقيا، مع التركيز على التغيرات التي طرأت منذ أواخر الثمانينيات. تتناول المساهمات المختلفة قضايا العرق والمواطنة، والولاء الوطني والهويات الكوزموبوليتانية، والارتباط المحلي؛ وذلك من خلال الاعتماد على مناهج الأنثروبولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع والديموغرافيا.

على الرغم من انقسام الهنود في شرق أفريقيا إلى مجتمعات دينية واجتماعية متعددة، فإنهم يجتمعون في شعور مشترك بهوية ثقافية شاملة

يقدم كتاب "الهند الأفريقية" صورة لمجتمع متنوع الأبعاد، وذلك بتحليل كيفية تأثير الماضي والحاضر في الشعور بالانتماء، والعلاقات مع الآخرين، ومشاركتهم المهنية والسياسية. كل ذلك يجعل الكتاب مرجعًا أساسيًا للباحثين المعاصرين والطلاب وصناع السياسات، وكذلك للقراء المهتمين بشكل عام، بتسليطه الضوء على جوانب وتفاصيل مغمورة عن الجالية الهندية في الشرق الأفريقي.

يحاول مؤلفو كتاب "الهند الأفريقية: أقليات من أصول هندية-باكستانية في شرق أفريقيا"، بإشراف ميشيل آدم، الإجابة على مجموعة من الإشكالات الأساسية المتعلقة بالهجرة الهندية إلى شرق أفريقيا، من خلال إعادة النظر في الخلفية التاريخية لهذه الهجرة، وأسباب استقرارهم طويل الأمد، وطبيعة المجتمعات التي اندمجوا فيها. يركز الكتاب على الجاليات ذات الأصول الهندية والباكستانية في شرق أفريقيا، مع تسليط الضوء على تنزانيا وأوغندا وكينيا، حيث يحظى هؤلاء بحضور ملحوظ. نجح المؤلفون بهذا الأسلوب (اختيار العينيات) في تحويل الكتاب إلى عمل مرجعي غني بالبيانات الكمية والنوعية، جُمعت ونُظمت في إطار موضوعي ومنهجي داخل المؤلف.

يتناول الفصل الأول عرضا عاما للمحاور الأساسية للكتاب، بينما تركز الفصول الأخرى على أبعاد اجتماعية واقتصادية أكثر تحديدًا. في البداية، يناقش الكتاب التنوع الاجتماعي والديني لهذه الجاليات، التي تعكس - وإن على نطاق أصغر- الفسيفساء الثقافية للمجتمع الهندي. يلي ذلك تحليل ديموغرافي يدرس تطور أعداد هؤلاء في شرق أفريقيا. بعد ذلك، يتناول القسم الاجتماعي والاقتصادي ثلاثة محاور رئيسية: أولًا، دور العائلة واستراتيجيات الزواج داخل هذه الجاليات، حيث يكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بينها، وتأثير ذلك على تنظيمها الاجتماعي؛ ثانيًا، دراسة حالة للإسماعيليين النزاريين في كينيا؛ وثالثًا، تحليل مجتمع البهرة في المنطقة، مما يساعد على فهم خصوصياتهم الثقافية والاجتماعية.

أما الجانب الاقتصادي، فينقسم إلى فصلين يركزان على كينيا؛ يقدم الأول منهما تحليلًا سوسيولوجيًا للتجار والصناع ذوي الأصول الهندية-الباكستانية، بينما يدرس الفصل الثاني العلاقة بين الديناميات الاقتصادية وأنماط العزل الجغرافي التي أثرت على هذه المجتمعات. في القسم الذي يتناول الهوية والانتماء المجتمعي، يستعرض الكتاب كيفية تتشكل الهوية لدى الجاليات الهندية-الباكستانية في أوغندا، ثم في تنزانيا، حيث تم التركيز على تأثير الانتماءات الدينية والصراعات الناشئة عنها. يختم الكتاب بدراستين مهمتين: الأولى تتناول صورة هذه الجاليات في الصحافة المحلية الكينية، والثانية تضم مجموعة من السير بيوغرافية لأفراد منها، مما يقوي أطروحة الكتاب.

على الرغم من أن النضال ضد الاستعمار وحّد الشعوب الآسيوية والأفريقية على المستوى الخطابي، إلا أنه لم يترجم على مستوى الواقع إلى اندماج حقيقي للهنود في المجتمعات المضيفة

ظهرت الهجرة الهندية إلى شرق أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر ضمن سياق التوسع الإمبراطوري البريطاني، حيث كانت هناك روابط وثيقة بين المستعمرات الأفريقية والهندية. ومع تطور الإدارة الاستعمارية، ترسخت شبكات الهجرة تدريجيًا، وأصبحت أقل خضوعًا للسيطرة البريطانية. بمرور الوقت، وسّع المهاجرون الهنود أنشطتهم الاقتصادية، مستفيدين من الفرص المتاحة في السوق النامية لشرق أفريقيا. فقد عملوا في التجارة والمهن الحرة على حد سواء، لكن في مقابل ذلك، حاول النظام الاستعماري ترسيخ حدود إثنية وعنصرية صارمة، الشيء الذي جعل الهنود في موقع اجتماعي واقتصادي وسيط بين الأوروبيين والسكان المحليين.

على الرغم من أن النضال ضد الاستعمار وحّد الشعوب الآسيوية والأفريقية على المستوى الخطابي، إلا أنه لم يترجم على مستوى الواقع إلى اندماج حقيقي للهنود في المجتمعات المضيفة. كما أن حصول البلدان الأفريقية على استقلالها، وما أعقبه من سياسات وطنية اقتصادية ساهم في تأجيج التوترات، حيث اتُهمت الجاليات الهندية بالاحتكار الاقتصادي وعدم الاندماج. وبينما كانت هذه الجاليات منقسمة داخليًا، وفقًا للطبقات الاجتماعية والانتماءات الدينية، إلا أن النظرة الخارجية جمعتها في تصنيف واحد، مما عزز شعورها بمصير مشترك، خاصة مع تصاعد العنف ضدها وعمليات الطرد الجماعي.

كان لهذا الطرد التعسفي آثارا اقتصادية كبيرة على دول شرق أفريقيا، مما أظهر مدى الترابط بين النشاط الاقتصادي لهذه الجاليات وأداء الأسواق المحلية. فقد سمح لهم نموذجهم الاقتصادي، الذي يتمحور حول العائلة، بأن يصبحوا حلقة وصل بين التجارة الإقليمية والدولية، لا سيما عبر موجات الهجرة الثانوية. ورغم القيود التي فرضها عليهم الاستعمار، إلا أنه أتاح لهم أيضًا فرصًا لتعزيز موقعهم الاقتصادي، بما يخدم استمرارية الهيمنة الاستعمارية وتقسيم المجتمع على أسس إثنية.

لقد حاول مؤلفو الكتاب النظر في كيفية تفاوض هذه الجاليات اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا للحفاظ على مكانتها في مرحلة ما بعد الاستعمار. كما يسلطوا الضوء على النظام الاجتماعي الجديد الذي أُدرجوا فيه، والذي يقوم على الحفاظ على ثقافتهم الأصلية، واستمرار التقسيمات الطبقية والدينية، وتكرار أنماط التمييز التي ورثوها من العهد الاستعماري، مما أدى إلى نوع من العزل الذاتي عن المجتمعات المحلية.

يلعب المهاجرون من أصول هندية دورًا بارزًا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث ينشطون في مجالات مهمة كالتجارة والصناعة وقطاع الخدمات، كما يشكلون نسبة كبيرة من أصحاب المهن الحرة

تطرح هذه الديناميات تساؤلات حول الوضع السياسي لمهاجري الهند وباكستان، سواء في البلدان التي استقروا فيها أو في وطنهم الأم. ورغم حصول الكثير منهم على جنسيات الدول الأفريقية، إلا أن ذلك لم يحل إشكالية اندماجهم الكامل في أفريقيا.

اختار العديد منهم النأي بأنفسهم عن السياسة حفاظًا على مصالحهم الاقتصادية، خاصة في ظل غياب الاستقرار الديمقراطي، بينما بقيت علاقتهم مع الهند متأرجحة بين الولاء والانفصال. ومن ناحية أخرى، فإن الأجيال الجديدة التي وُلدت في أفريقيا، والتي لم تعش تجربة الهجرة الأصلية، بدأت تطور هويات جديدة، مما وسّع الهوة بين شرق أفريقيا والهند.

بشكل عام، يمثل الكتاب دعوة إلى إعادة التفكير في الامتدادات المعاصرة للبنى الاستعمارية السابقة، دون الوقوع في إعادة إنتاجها. ومن خلال دراسة حالة الهنود في شرق أفريقيا، يفتح المجال لمقارنة تجاربهم مع تجارب أقليات أخرى، مثل اللبنانيين والأوروبيين، في القارة الأفريقية.