تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 23 يونيو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

الحكومة الموازية في السودان: فشل عسكري أم مرحلة جديدة؟

22 فبراير, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

انعقد في العاصمة الكينية نيروبي، يوم الثلاثاء 18 فبراير/ شباط الجاري، المؤتمر التأسيسي الذي نظمته مليشيا الدعم السريع، بغرض الإعلان عن تشكيل حكومة موازية للحكومة السودانية الموجودة حاليا في بورتسودان؛ العاصمة الإدارية الجديدة. خطوة جريئة، ستكون لها تبعات سياسية وجيوسياسية على البلد المنكوب وسائر المنطقة. كما أنها تؤسس عملياً لتقسيم السودان مجدداً، بعد انفصال جنوب السودان عنه عام 2011. سبق هذا الأمر انقسام داخل تنسيقية القوى المدنية، المعروفة اختصاراً بـ "تقدم"، بين من يدعم هذه الخطوة، ومن يرى أنها غير قابلة للنقاش فبالأحرى التطبيق، نظراً للأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد. هذا الانشقاق في تحالف القوى المدنية ليس أمراً مستغرباً، بعد أن تصدرت الانقسامات المشهد السياسي السوداني، منذ فترة طويلة.
برزت هذه الخطوة، في ظل تضعضع التحالف المدني المناوئ للحرب، والهزائم المتتالية التي تكبدتها مليشيا الدعم السريع المدعومة إقليمياً ودولياً، كمسار سياسي مناوئ للمشاورات التي تعقدها الأحزاب والمكونات السياسية الداعمة للجيش السوداني في بورتسودان والقاهرة، من أجل قطع الطريق على أي توافق سياسي، يمنع حصول مليشيا الدعم السريع على أي دور مستقبلي في المشهد السياسي السوداني. إلا أن سبل نجاح هذه الخطوة غير متوفرة لأسباب عديدة، خصوصا وأن موازين القوى والأوضاع على الأرض غير ملائمة، فضلاً عن عدم التوافق الإقليمي والدولي حول هذه الخطوة التي ستؤجج هذا الصراع.

انعكاس تقدم الجيش على المشهد السياسي

حقق الجيش السوداني العديد من الانتصارات المتتالية في محاور مختلفة في البلاد، خصوصا في ولاية الخرطوم، أبرزها في مدينة الخرطوم بحري الضلع الثاني للعاصمة السودانية المثلثة. حيث أصبحت شبه خالية من المليشيا المتمردة، ما عدا بعض الجيوب في منطقة شرق النيل التي تمركزت فيها قوات الدعم السريع لفترة طويلة، واتخذتها مقرا لإدارة عملياتها العسكرية في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري.


حقق الجيش السوداني العديد من الانتصارات المتتالية في محاور مختلفة في البلاد، خصوصا في ولاية الخرطوم، أبرزها في مدينة الخرطوم بحري الضلع الثاني للعاصمة السودانية المثلثة. حيث أصبحت شبه خالية من المليشيا المتمردة


هذا الانفتاح العسكري تم بالتوازي مع عمليات مماثلة في وسط الخرطوم، تمكن خلالها الجيش من فك الحصار على القيادة العامة مقترباً من القصر الرئاسي. كما حقق الجيش أيضاً انتصارات كبيرة في المحور الغربي، في مناطق كردفان والنيل الأبيض ودارفور في الفاشر تحديداً، حيث واصلت القوات المشتركة صد ودحر قوات الدعم السريع التي تصر على الانتحار على أسوار المدينة الصامدة. 
منح هذا التقدم العسكري أفضلية سياسية للجيش السوداني والقوات المساندة له، والأحزاب السياسية التي اصطفت بجانبه. وأكد القائد العام للجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، خلال تفقده القوات وسير العمل العسكري في محاور مختلفة بالبلاد، أن الحكومة القادمة لن تستثني أحدا ممن ساندوا الجيش في هذه الحرب، مع استبعاد أي دور مستقبلي للمليشيا والقوى السياسية الداعمة لها في المشهد السياسي السوداني، ومن المرتقب أن يتم الإعلان عن حكومة جديدة يتقدمها رئيس وزراء مدني في مقبل الأيام.

الحكومة الموازية مرحلة جديدة من الحرب

في ظل التراجع الكبير لقوات الدعم السريع بسبب الهزائم المتتالية في جميع محاور القتال، وعدم تمكنها من استعادة الزخم الهجومي الذي ميزها، خلال العام الماضي، أضحى أمر تشكيل حكومة مدنية موازية للسلطات السودانية في مناطق سيطرة الدعم السريع خطوة مهمة، لاستمرار الدعم السياسي والعسكري القادم للمليشيا من الخارج. وبالتالي بداية مرحلة جديدة من الحرب التي قاربت العامين. 
على الرغم من الفشل العسكري، فإن تكوين الحكومة يعتبر صعباً للغاية، لعوامل أبرزها؛ أن التحالف الذي يضم المليشيا وداعميها يغلب عليه الطابع العسكري، ويضم حركات دارفورية مسلحة، يجمعها رابط القبيلة مع تلك التي تقاتل بجانب الجيش السوداني، مما سينعكس سلباً على الوضع في دارفور التي ما زالت ترزح تحت سيطرة الدعم السريع ما عدا الفاشر.
إن تكوين حكومة للمليشيا في دارفور أمر غير مقبول بالنسبة للقبائل الأفريقية، مثل: الزغاوة والمساليت والفور وغيرها؛ والتي تمثل الغالبية السكانية هناك. كما أنها عانت من الويلات على يد المليشيا التي ارتكبت جرائم إبادة جماعية بحقها في الجنينة ونيالا، وتقصف يوميا معسكر زمزم للنازحين شمال الفاشر، مما أدى إلى نزوح أكثر من 30 ألف أسرة منه. 
لا يفوتني التذكير هنا بالقصف المدفعي الذي نفذته المليشيا على المستشفيات والمرافق الخدمية وغيرها، ما جعل الحياة في الإقليم شبه مستحيلة، بعدما هجره أهله إلى دول الجوار. لذا، فالحكومة المفترضة ستواجه معارضة شديدة من قبل المواطنين، مما قد يؤدي إلى إشعال فتيل الحرب بين المكونين الأفريقي والعربي في الإقليم في أبشع صور الحرب الاهلية.
تعتبر العنصرية والقبلية أحد أوجه الحرب الحالية الدائرة في السودان، وهو أمر يستدعي التعامل معه بحذر، سيما أن مليشيا الدعم السريع مارست العديد من الانتهاكات، وارتكبت عمليات إبادة جماعية ضد مكونات قبلية بعينها في دارفور الدولة المرتقبة. نشير كذلك إلى تصريحات القوني دقلو؛ أخ قائد الدعم السريع، في فيديو قصير، على هامش المؤتمر التأسيسي، انتشر على نطاق واسع؛ أن عرب الشتات سيخرجون السودانيين من أرضهم. 


في ظل التراجع الكبير لقوات الدعم السريع في جميع محاور القتال، وعدم تمكنها من استعادة الزخم الهجومي الذي ميزها، أضحى أمر تشكيل حكومة مدنية موازية للسلطات السودانية في مناطق سيطرة الدعم السريع خطوة مهمة، لاستمرار الدعم السياسي والعسكري القادم للمليشيا من الخارج 


كما تؤكد مشاركة زعماء القبائل والإدارات الأهلية في المؤتمر، من قبائل الرزيقات والبني هلبة والمسيرية وغيرها من القبائل العربية الداعمة للمليشيا المتمردة؛ الطابع القبلي والعرقي للمسار السياسي الذي تتخذه المليشيا. طبيعي إذن أن يجعل هذا التوجه الحكومة المفترض تكوينها في دارفور عاجزة عن أن تكون حكومة لكل شعب الإقليم، كما يدعي القائمون على أمرها. وحتما، لن تتمكن من توفير الأمن والاستقرار. 
من ناحية أخرى، مثّل ظهور عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، في المؤتمر الذي عقدته مليشيا الدعم السريع في نيروبي، بُعداً آخر في إطار إعلان الحكومة الموازية. ظهور له أسبابه الموضوعية، حيث أن الرجل معروف بإمكانياته العالية في تعزيز عمليات الإسناد والتمويل، وقد كان المسؤول الأول عن هذا الأمر إبان حرب جنوب السودان قبل الانفصال، بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق والجيش السوداني. 
يتوقع أن يؤدي الحلو خدمات جليلة للمليشيا حال نجاحها في تشكيل الحكومة، وذلك بتسهيل عمليات الإسناد والدعم اللوجيستي للقوات، عبر مناطق سيطرة الحركة في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان المتاخمة للحدود مع جمهورية جنوب السودان. لكن هذا العامل الإيجابي، لن يحدث التغيير المتوقع بتكوين دولة وليدة في دارفور، متى أخدنا في الاعتبار جميع ما سبق ذكره، وانعدام فرص نجاح الحكومة الموازية حال الإعلان عنها، بالإضافة إلى التخوف الإقليمي من تكرار التجربة في دول ظروفها مشابهة للواقع السوداني.

تأثير هذه الخطوة على العلاقات السودانية الكينية

طالما اتخذت كينيا العديد من المواقف العدائية ضد السودان، خلال الأزمات التي مر بها عبر عقود طويلة، وذلك لاختلاف وتضارب مصالح البلدين، وتوجهات كينيا بصفتها دولة حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل التي ترغب في الوصول والسيطرة على منابع نهر النيل. وزاد استضافة كينيا لهذا المؤتمر من تدهور العلاقات بين البلدين، التي تأثرت بشكل كبير منذ اتخاذ نيروبي مواقف داعمة للمليشيا المتمردة في الاتحاد الأفريقي ومجموعة الايغاد. 
شكلت الحكومة السودانية لجنة للنظر في التوجه الكيني المهدد لوحدة وسلامة الأراضي السودانية، ومن المنتظر أن تخرج بقرارات للتعامل مع الاستفزاز الكيني المتواصل، الذي أنهى عملياً أي دور دبلوماسي كيني مقبول لحل الأزمة السودانية. 
أصدرت الخارجية السودانية بياناً نوهت فيه بخطورة الموقف الكيني، خصوصا وأنه يشجع على تقسيم الدول الأفريقية، وانتهاك سيادتها، بل ويتعارض مع مبادئ حسن الجوار باستضافة أعمال وأنشطة معادية للسودان. بالمقابل أكدت نيروبي في بيان أن اجتماع نيروبي التأسيسي ليس تدخلا في الشأن السوداني، بل جزءا من الجهود الإقليمية لحل الأزمة في السودان، وأنها تحترم سيادة ووحدة السودان، وتلتزم بمبدأ الحياد. 
اللافت للنظر أن الحكومة الكينية واجهت انتقادات لاذعة من قبل مواطنيها، حيث وصفت وسائل الإعلام الكينية استضافتها لمؤتمر مليشيا الدعم السريع بأنه لعب بالنار، مشيرةً ألى العلاقات المشبوهة التي تربط الرئيس وليام روتو مع قائد المليشيا محمد حمدان دقلو والقيادة الإماراتية.


طالما اتخذت كينيا العديد من المواقف العدائية ضد السودان، خلال الأزمات التي مر بها عبر عقود طويلة، وذلك لاختلاف وتضارب مصالح البلدين، وتوجهات كينيا بصفتها دولة حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل التي ترغب في الوصول والسيطرة على منابع نهر النيل


وفي ذات السياق، استدعت وزارة الخارجية السودانية كمال جبارة، سفير السودان لدى كينيا، للتشاور للمرة الثانية. وأصدرت بياناً ثانياً ردا على البيان الكيني، فندت فيه ادعاءات نيروبي. وزادت؛ أن سماح الرئيس الكيني ويليام روتو بعقد الاجتماع المعادي للسودان يعني أنه ضالع في حرب العدوان الذي تشنه المليشيا الإرهابية على الشعب السوداني. كما أشارت الوزارة في بيانها إلى الجهود الدبلوماسية التي بذلتها من أجل تغيير موقف الرئيس روتو الأمر الذي لم يكلل بالنجاح. وأبدت أسفها بشأم إعلاء الرئيس روتو مصالحه التجارية والشخصية، مع رعاة المليشيا الإقليميين وقيادة المليشيا الإرهابية، على العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين الشقيقين ومقتضيات القيادة والمصالح الحقيقية لبلاده، وضرورات السلم والأمن الإقليمي.
وأضاف البيان بلهجة شديدة أن الرئيس تجاوز كل المواثيق الإقليمية والدولية. ويبقى أقوى هجوم مباشر على الرئيس الكيني، منذ اندلاع الأزمة بين البلدين، على خلفية المواقف التي اتخذتها حكومة نيروبي حيال ما يجري في السودان. 


أفادت بعض المصادر عن وجود بوادر صراع بين القوى المجتمعة في نيروبي حول قضايا رئيسية ذات صلة بمنصب رئيس مجلس السيادة، والتي يتنازع حولها قيادتي الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال،


يبدو أن تأجيل الإعلان عن الحكومة الموازية، إلى يوم الجمعة 21 فبراير/ شباط، يحمل في طياته مزيدا من البحث في المسائل السياسية واللوجستية، فضلاً عن  مسألة الاعتراف الدولي من عدمه. خصوصا، وأنه ليس أمرا مطلوبا في حال فرضت المليشيا كامل سيطرتها على دارفور، وأصبحت سلطة أمر واقع يجب التعامل معها، في حالات تقديم العون الإنساني، وهو أمر مستبعد بالنظر إلى مجريات الأوضاع على الأرض. ومع حالة الاستهجان والرفض الدولي والإقليمي لهذه الخطوة التي عبّرت عنه بعض الدول الصديقة للسودان، والأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ربما يتولد واقع جديد ينسف هذه الفكرة من الأساس، لاسيما إذا واصل الجيش السوداني انتصاراته على الأرض، وأحكم سيطرته على دارفور التي يحاصرها الأن من عدة جهات.
من ناحية أخرى، أفادت بعض المصادر عن وجود بوادر صراع بين القوى المجتمعة في نيروبي حول قضايا رئيسية ذات صلة بمنصب رئيس مجلس السيادة، والتي يتنازع حولها قيادتي الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، على الرغم من أنه تم الاتفاق على أن تكون مدينة كاودا في ولاية جنوب كردفان معقل الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، مقراً للحكومة الموازية. 
برزت موضوعات أخرى أسهمت في تأجيل الإعلان عن الحكومة الموازية، يوم الجمعة 21 فبراير/ شباط كما أعلن عنه سابقاً، وهي تتعلق بعدم فراغ اللجان الفنية من مناقشة الموضوعات المطروحة، وبالتالي عدم خروج الميثاق بالشكل المأمول. وفي ظل هذا التأجيل المتكرر، فإن موضوع الحكومة الموازية لم يعد يتميز بالزخم الذي حظي بها أول الإعلان عن الخطوة، وذلك بسبب التناقضات الكبيرة بين أطراف التحالف الساعي لتشكيله، وصعوبة التوصل لتوافق ودعم إقليمي ودولي يجعلها واقعاً ملموساً.