تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 9 أكتوبر 2024

حوارات

الحب والاهتمام: مقابلة مع صوفيا سمتر

6 سبتمبر, 2024
الصورة
Sofia Samatar
Share

ولدت صوفيا سمتر في ولاية إنديانا لأبٍ صومالي وأمٍّ أمريكيّة من ولاية داكوتا الشمالية من اتباع المذهب المينونيتي [مذهب مسيحي]: "كان والداي معلِّمين وقارئين نهمين وشغوفين باللّغات الأجنبية". كان والد سمتر أستاذاً للتاريخ الإفريقي، وكاتباً ومحرراً لعددٍ من الكتب والمجلاّت، أمّا والدتها فكانت تعلّم الإنحليزية لغير الناطقين بها. "لم أكن متأكدةً من خيّار التدريس سوى أنّه لا مفرّ منه بحكم طبيعة البيت الذي تربّيت فيه. ولكنّني في النهاية وجدت أن تدريس الأدب هو أفضل طريقة لبلوغ مبتغاي الذي هو تحويل حياتي إلى نادي للكتاب عملاقٍ".

التحقت سمتر بثانوية مينونيتيّةٍ ثمّ إلى كلية جوشين في ولاية إنديانا—وهذه أيضاً مؤسسة مينونيتيّة، وحصلت على درجة الماجستير في جامعة ويسكونسن ماديسون في اللغات والأداب الإفريقيّة، ولاحقاً ستتزوّج من الكاتب كيث ميلر، وعاشا في السودان (جنوب السودان حالياً) لمدة ثلاث سنوات وفي مصر لمدة تسع سنوات، حيث درّسا اللغة الإنجليزية، ثمّ درست الأدب العربي في ماديسون لتتخرج بدرجة الدكتوراة عن أطروحة تتناول أعمال الطيب صالح.

عاشت سمتر كذلك في تنزانيا ولندن ونيوجيرسي وبنسلفانيا، وانتقلت مؤخراً إلى فيرجينيا، حيث تدرس الأدب، وعلى نحوٍ خاص الأداب الإفريقية والأدب العربي، في جامعة جيمس ماديسون: تشغل منصب أستاذة مبرّزة في اللغة الإنجليزية. "إنّ وادي شيناندواه آسرٌ، ولكن ما كنت لأعلم به لولا أنّ صديقة مقرّبة أخذتني إلى هنا، ومنها، شغفني المكانُ وعملي".

نشرت لسمتر في عام 2012 ثلاث قصص قصيرة من بينهم عملها "دب العسل" الذي نشر في مجلّة "كلاركسوورلد"، وفي نفس العام، نشرت سمول بير برس روايتها الأولى "غريبٌ في أولوندريا"، التي فازت بجائزة كروفورد للمتخيّل، وجائزة بريطانيا للمتخيّل، والجائزة العالميّة للمتخيّل. كما حصلت سمتر على جائزة Astounding لعام 2014 لأفضل كاتب صاعد. غدت رواية "غريب أولوندريا" في قائمة أفضل 100 كتاب خيالٍ في كلّ الأزمان لمجلة "تايم"، وأفضل 50 كتاب خيال في كل الأزمان لمجلّة "أسكواير". واصلت سمتر نشر القصص القصيرة التي حظيت بقبولٍ جيّد على مدار السنوات القليلة اللاّحقة، وكان من بينهم عملها "قصص سيلكي للخاسرين" (نشرت في السابع من يناير عام 2013 عن دار نشر: سترينج هورايزنز) الذي وصل لنهائيات جوائز: بيسفا، نيبولا، الجائزة العالمية للمتخيّل، وهوغو.

اتبعت سمتر "غريب في اولوندريا" بـ "تواريخ مجنّحة" عام 2016 عن نفس الدّار، وحظي هذا العمل بإشادة النقاد، وكان من المتأهلين لنهائيات جائزة لوكوس؛ واتبعته كذلك بالمجموعة القصصيّة "حفيٌّ" (عن نفس الدّار وصدر في 2017) التي وصلت لنهائيات جوائز: لوكوس وبي اف آي والجائزة العالميّة للمتخيّل. ربما لم تحظى مجموعتها القصصيّة "صُوّر الوحش" (وكانت الرسومات لديل سمتر، ونشرت دار روز ميتال المجموعة في عام 2018) بحفاوةٍ في دوائر هذا النّوع الأدبي (باستثناءِ أنها وصلت لنهائيات جائزة بيسفا لأفضل عمل فني)، ومع ذلك فقد أُشيد بها في من طرف لوس أنجلوس رفيو أو بوكس، وشيكاغو رفيو أوف بوكس، واعتبرت كواحدةٍ من أفضل الكتب لعام  2018 في قائمة أن بي آر، ثمّ كانت من المرشحين النهائيين لجائزة كالفينو.

وعلى نحوٍ مماثلٍ، يبدو أن المذّكرات "المسجد الأبيض" الصادرة عام 2022 غائبةٌ عن بعض القوائم والمراجع، ومع ذلك فقد فازت بجائزة برنارد جيه بروميل، وكانت من بين المرشحين النهائيين لجائزة بن/جان ستين للكتاب (التي تمنح الفائزَ 75000 دولار)، وتلقت الكثير من الثناء من أماكن مثل لوس أنجلوس تايمز ولايبريري جورنل، وظهرت في قوائم على نحو قائمة مكتبة نيويورك العامة لأفضل الكتب لعام 2022. صدر كتاب "نبرة"—"دراسة تعاونية للنبرة الأدبية" بالاشتراك مع كيت زامبرينو—عن دار نشر جامعة كولومبيا في عام 2023، ومن المقرر أن يصدر أحدث أعمالها عن دار نشر توردوتكوم في هذا الشهر تحت عنوان: "الممارسة والأفق والقيد".

هل شاركت في أي ورشةٍ من ورش الكتابة، مثل كلاريون وست أو الأوديسي؟

لا، باستثناء ورشتي عمل مكثفتين للشعر لمدة أسبوع واحدٍ حينما كنت في الكلية. علّمنا الشاعر نيك ليندسي، الذي توفي قبل بضع سنوات، وكان مذهلاً، إذ كان يسيل الشعرُ من فمه بشكلٍ عشوائي، ويقفزُ للأعلى وللأسفل، ويهجمُ فجأةً على الگيتار أو يمسك المسجل (ما بدى عارفاً بالعزف، ولكنّه كان يحدث ضوضاءَ) ثم يصدح على نحوٍ غامضٍ: "حينما أُنثر على رف الحياة، يستيقظُ أثري!". ما كان أحدٌ يعرف ماذا يحدث. لقد أحببته.

من ملهموك أو أبطالُك الأديبيّون، وما يعجبك أكثر في أعمالهم؟

يلهمني الطيب صالح كثيراً؛ ولقد كتبت أطروحتي عن عمله، ودرّست روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" بشكلٍ متكررٍ. يتضمن هذا العمل العديد من العناصر التي أحبها: أزمنةٌ متشابكة، أصوات متعددة، ومقاطع من تيار الوعي، وإشارات إلى الأدب والأساطير، وأوصاف للطقس والضوء. أجد كل هذه الأشياء في أعمال الحداثيين المفضلين لدي: جيمس جويس وفيرجينيا وولف، بالإضافة إلى كتاب معاصرين محبوبين على نحوِ كيت زامبرينو، وكارول ماسو، وبهانو كابيل.

وأنا كذلك ملهمّة من الخياليين الذين يرقصون على حافة الواقع: خورخي لويس بورخيس، وكارمن ماريا ماشادو، وجيف فانديرمير، وكيلي لينك.

هل ترين أياً من هذه الإلهامات تتكشّف بطرقٍ ما في "الممارسة، الأفق والقيد"؟

أعتقد أنه ينبغي لها أن تكون هنالك، على مستوى ما، لكن الأعمال الأكثر حضوراً في ذهني هي الكتاب المقدس وروايات ويليام فوكنر. تدور أحداث رواية "الممارسة والأفق والقيّد" حول استمرار الأساطير: حتى وهي في سياقٍ ضاربٍ في المسقبل البعيد، فإن شخصياتي مسجونة عند قصص قديمة عن القوة والهيراركيّة، وكذلك عن أحلام التحرر المؤرقة. لقد صادف أنني كنت أقرأ الكثير من أعمال فوكنر (كنت أحاول فهم كيف يمكن لنفس الشخص أن يكتب رواية سيئة مثل "راتب جندي" ثمّ بعد ثلاث سنوات فقط يكتب "الصخب والعنف")، وقد أذهلتني الإيقاعات والنبرات الكثيفة للغته التي تبدو كما لو أنّها تتدفق مباشرة من خدمة الكنيسة السوداء. بدى يبين لي كيف يهضم الكتّابُ اللغة، عن قصد أو بغير قصد. فأردت توجيه هذه التدفقات من الصوت والصور إلى قصة مختلفة تماماً عن عمل فوكنر، قصة يوتوبية.

قرأت في مقابلات سابقة بأن كتابة وتحرير "غريب في أولوندريا" استغرق أكثر من عقد من الزمن. كيف هي الرحلة بالنسبة لـ "الممارسة والأفق والقيد"، من الإلهام إلى النشر؟

يسعدني ويريحني القول بأنّ رحلته لم تأخذ وقتاً طويلاً! كان وراء إلهام فكرة العمل مؤتمرٌ افتراضيّ في كلية بوسطن تحت عنوان "بناء أكاديمية الطَرْدَي"، حيث استمعت فيه إلى عددٍ من الباحثين اللاّمعين والراديكاليين يناقشون فكرة تحويل المؤسسات وتخيّل عوالم جديدة. حضرت ذلك المؤتمر في عام 2021، وكتبت الكتاب في نفس العام، وراجعته على مدار عامين، وذلك هو كلّ شيء.

تحمّل شخصيات هذا العمل الجديد أسماءَ: "الصبي" و"المرأة"؛ ويسمّيهما بعض المراجعين "شخصيات بلا أسماء". ما مقصدك؟ لم "الصبي" و"المرأة" بدلاً عن نظام التسمية الشائع؟

ينبع هذا الاختيار من الوضعيّة على متن السفينة حيث تعيش هذه الشخصيات. توجد ثلاث فئات متمايزة من الناس، ووحدهم الذين في القمة هم من يستخدمون أسماءَ. ليس الصبي ولا المرأة وحدهما المجهولين اسميًاً في القصّة، بل إنّ كلّ الشخصيات من الطّبقتي المتوسّطة والدنيا يفتقرون إلى تسميّات، فيُشار إليهم: بالحرس والعمال والطلاب والشيوخ، وما إلى ذلك.

وبالطبع، فإن كونك بلا اسم وكونك تفتقر إلى تسميّة ليسا نفس الشيء. سأترك للقرّاء معرفة ذلك.

يتردد الصبي في تجاوز الظروف التي يألفها، حتى لو كانت هذه الظروف مروعةً، وذلك خروج عما نراه غالباً في القصص. هل بإمكانك التحدث قليلاً عن هذه الخطوة السردية، وما تعنيه وما أهميّتها؟

يأتي الصبي من مكان في قاع السفينة يُسمى "المحبس" حيث يعيش الناس هناك في سلاسل. هذه صورة قوية في سياق الولايات المتحدة وإشارة واضحة إلى الممر الأوسط وتاريخ العبودية. لذا نعم، ظروف الصبي مروعة، ولكن قصتي تؤكد على أنّه في خضم كلّ هذا هناك حب ورعاية. للصبيّ أصدقاء ومجتمع ومرشدٌ يحميه ويعلمه. عندما يُخرج من السجن للذهاب إلى الكلية، يعتبر ذلك تحسناً في ظروفه المادية، ولكنّه محطِّم عاطفياً.

مالذي تحبينه في هاتين الشخصيتين، ولم يجب أن نعرف عن حياتهما؟

الصبي فنان وحالمٌ، والمرأة باحثة وأستاذة جامعية، ومتعبة للغاية؛ لديها أحلام أيضاً، ولكنها منهكة. ما يجذبني فيهما هو الطريقة التي تمكنا بها من تحصيل دراسة أصيلةٍ في مؤسسة بنيويّاً معادية. إنهما مبدعان؛ إنهما مستعدّان ليبدوا ساذجين، لاقتراحِ تغييرات مقلقةٍ، وليتساءلا: لم لا؟

من الأشياء التي يمدحها النّاسُ في هذا الكتاب هو نثرُك؛ متضمّناً الأوصاف والتفاصيل. من ناحية الحرفة، كيف السّبيل إلى كتابة نثر رائع؟

يطيب لي سماع ذلك، وأتمنى لو كانت لدي إجابة جيدة. لو عندي صيغة أو تقنية، لوظّفتها، ولكنني خلو منها. كلّ ما عندي هو القراءة. أوصيك بالغرق في الكلمات؛ اقرأ، اقرأ، اقرأ حتى تتلبسك الكتابة. وعندها: اكتب.

ما ترينه مهمّاً في "الممارسة، الأفق والقيد"؟ عندما تفكرين في القصة ككل، ما المحور الأساس لما تخططين لفعله؟

هذا الكتاب لكلّ من يحب الخيال. ولكن على نحوٍ محددٍ، فهو لأولئك المرتبطين بالمؤسسات الكبيرة، وخاصة الجامعات، الذين يشعرون بالإحباط إزاء عدم المساواة القائمة هناك، رغم ما يبذله الكثيرون من جهدٍ فظيعٍ لتغيير ذلك الوضع. عندما كتبت القصة خطر في بالي كتاب صغير يمكنك وضعه في حقيبتك وحمله معك إلى اجتماع فظيع في مؤسستك—ذلك النوع من الاجتماعات الذي يحبطك ويضيّع وقتك ولا يصنع فارقاً—ثمّ تضع يدك على هذا الكتاب وتفكر: نعم، أحدهم يراني؛ أحدهم يعرف. 

وسيكون الأمر كما لو كنت محاطاً بتوهج. ولهذا كانت القصة بحاجة إلى عنصرٍ غرائبي وخيالي. كان لابد أن تكون مهرباً بعض الشيء. إنها للأشخاص الذين يحتاجون إلى استراحةٍ.

بجانب عملك الروائي الطويل الذي نال استحساناً كبيراً، أنت معروفة أيضاً بكتابة القصص القصيرة والشعر. هل تؤثر أو تغيّر الكتابة للسرد الطويل في الكتابة الأخرى؟ هل تؤثر كتابة الشعر على أعمالك الروائية الطويلة؟

لا أرى نفسي شاعرةً، على الرغم من خوضي للتجربة، وحبّي للشعر—أقرأ بعضاً منه كل يوم. إنّني منبهرة من عمق العلاقة بين الشعراء واللغة. أعتقد أنه توجد جاذبيّة في كتابة أشكالٍ أقصر، لأنها تسمح لك بفهم بنية عملٍ ما. لقد زادت كتابة القصص القصيرة من حساسيتي تجاه القطعة النصّية، حتى لو كانت أطول، وتجاه تصميمها العام.

لو أراد قرّاء قراءة بعض من قصصك القصيرة، ما الذي تودّين أن ينتبهوا له أكثرَ، ولم؟

أود أنّ يشعروا بتنوع الأصوات. فأنا أرى القصة القصيرة بمثابة مختبرٍ ومكان لتجربة الأشياء. وأريدهم أن يشعروا بتلك الجودة التجريبيّة المتغيّرة—الفرق بين الأجواء الرومانسية الكثيفة لقصة مثل "نغمات الذئب" والنبرة الرسمية والأكاديمية الساخرة لقصة "قصّص جنّيات لروبوتات".

هل تعملين على مشروعٍ؟ هل من جديدٍ أو مشروعٍ قادمٍ تطلعين عليه النّاس؟

لدي كتاب غير روائي صدر في أغسطس تحت عنوان "ضبابات: عن الكتابة والحياة في شرط الكتابة"، وهو عبارة عن سلسلة من التأملات حول الكتابة والنشر والصداقة.