الاثنين 23 يونيو 2025
بينما تسارع الفيفا إلى حظر روسيا من المنافسات الدولية، تواصل المماطلة في اتخاذ إجراءات بشأن إسرائيل، مما يكشف عن الخلفيات السياسية التي تقف وراء ما يُسمى "حيادية" كرة القدم.
على خلفية إبادة جماعية وحشية، حقق المنتخب الوطني الفلسطيني نجاحًا تاريخيًا، بتأهل الفريق، في يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى الدور النهائي في كأس آسيا قبل خسارته وبصعوبة أمام قطر، التي توجت لاحقًا باللقب. كما تمكن "الفدائي" من بلوغ المراحل الأخيرة من تصفيات كأس العالم الآسيوية، ولديه فرصة للتأهل إلى كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه عام 2026.
يضم المنتخب العديد من النجوم؛ ويُعد وسام أبو علي أفضل مهاجم مرَّ في النادي الأهلي المصري منذ جيل. أما عدي دباغ، فكان وراء فتح الطريق أمام المواهب الفلسطينية في أوروبا، مسجلًا أهدافًا في الدوريات البرتغالية والبلجيكية. يكتسب نجاح هذين اللاعبين أهمية أكبر في ظل عدد القتلى المتزايد في غزة.
لكن ذكر فلسطين وصمت الفيفا تجاه ما يحدث في غزة، يتناقض بشكل صارخ مع ما جرى عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. فحينها تم تعليق مشاركة روسيا في اليويفا والفيفا، بعد أقل من أسبوع على بداية الغزو الروسي. لحظتها، تساءل كثيرون: لماذا لا يتم فرض عقوبات مماثلة على إسرائيل، رغم احتلالها غير المشروع لفلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا؟
لقد تعالت الأصوات المطالبة، بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الاول 2023، بطرد إسرائيل من عالم المنافسات في كرة القدم. لكن الأمين العام ثيودور ثيودوريديس شدد خلال مؤتمر اليويفا، في فبراير/شباط 2024، على رفض أي مقارنة بين الغزو الروسي لأوكرانيا وما يحدث في فلسطين، مؤكدًا أن الحالتين "مختلفتين تمامًا".
بذل الفيفا قصارى جهدها للتهرب من اتخاذ موقف، ففي فبراير/شباط 2024، قرر الاتحاد الغربي لكرة القدم (WAFF) بالتعاون مع الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم (PFA) تقديم طلب لفرض عقوبات على إسرائيل، وكان من المقرر مناقشته في مؤتمر الفيفا بالعاصمة التيلاندية بانكوك في مايو/ آيار الماضي.
مع تكرار التغاضي والتسويفات والمواعيد المؤجلة، باتت الرسالة واضحة: الفيفا لا تريد التعامل مع هذه القضية. وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم شكاوى ضد إسرائيل
قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، في بانكوك، أمام وفود الدول الأعضاء الـ211: "كرة القدم لا يمكنها فعل الكثير"، وهو تصريح يعكس تغييرًا جذريًا في نهجه المعتاد. وقد قدم وعدا بأن يدرس مجلس الفيفا الأمر، ويصدر قرارًا في 20 يوليو/ تموز 2024.
بيد أنه عند حلول الموعد، زعمت الفيفا زورًا أن الطرفين طلبا المزيد من الوقت لتقديم الأدلة، وحددت موعدًا جديدًا في 31 أغسطس/آب، مما سمح لفريق إسرائيل أقل من 23 عامًا بالمشاركة في أولمبياد باريس. وعندما انقضى الموعد الجديد، أعلنت الفيفا أنها تلقت التقييم القانوني المستقل، وأنه سيتم إرساله إلى مجلس الفيفا لمراجعته في الاجتماع التالي في أكتوبر/تشرين الأول. وفعلا، قررت الفيفا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، "فتح تحقيق".
مع تكرار التغاضي والتسويفات والمواعيد المؤجلة، باتت الرسالة واضحة: الفيفا لا تريد التعامل مع هذه القضية. وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم شكاوى ضد إسرائيل. فقد بدأت أولى محاولات تعليق عضوية إسرائيل قبل أكثر من عقد، بعد الحرب على غزة عام 2014، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 2000 شخص، معظمهم من المدنيين، وتدمير 30 منشأة رياضية.
كانت أول محاولة للاتحاد الفلسطيني لتعليق عضوية إسرائيل في الفيفا هي الأقرب للنجاح، حين كانت قرارات التعليق تُتخذ حينها عبر تصويت في مؤتمر الفيفا، وكان بالإمكان تحقيق ذلك بأغلبية ثلاثة أرباع الأصوات عام 2015
تعود جذور حملة طرد إسرائيل من الفيفا إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي حاولت منع اليويفا من تنظيم بطولة أوروبا لأقل من 21 عامًا لسنة 2013 في إسرائيل. ورغم فشل الحملة، إلا أنها أحدثت ضجة دفعت اليويفا إلى عدم اختيار القدس مدينةً مضيفة ليورو 2020.
أثارت هذه الحملة انتباه جبريل الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، الذي بدأ في تبني رسالتها. لقد كان الرجوب، الذي تولى سابقًا قيادة الأمن الوقائي للسلطة الفلسطينية، وعمل مستشارًا للأمن القومي لياسر عرفات، قد تولى رئاسة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم منذ عام 2007، في خطوة اعتُبرت خروجًا غير رسمي من المشهد السياسي. لكنه استغل منصبه الجديد لمصلحته. واليوم، يُعد الرجوب، البالغ من العمر 71 عامًا، أحد أبرز المرشحين لخلافة محمود عباس، الذي يبلغ من العمر 89 عامًا، في رئاسة السلطة الفلسطينية.
كانت أول محاولة للاتحاد الفلسطيني لتعليق عضوية إسرائيل في الفيفا هي الأقرب للنجاح، حين كانت قرارات التعليق تُتخذ حينها عبر تصويت في مؤتمر الفيفا، وكان بالإمكان تحقيق ذلك بأغلبية ثلاثة أرباع الأصوات عام 2015. بعد نجاحه في طرح القرار للتصويت، تراجع الرجوب وسحب الاقتراح (ليتم تمرير نسخة مخففة منه بنتيجة 165–18). قال الرجوب في ختام مؤتمر الفيفا عام 2015: "فلسطين لم تسحب طلبها بالكامل، بل قامت فقط بتعليقه".
بعد ذلك، ركز الاتحاد الفلسطيني جهوده على المطالبة بحظر مشاركة أندية المستوطنات في الدوري الإسرائيلي، مستندًا إلى سابقة منع أندية القرم من اللعب في المسابقات الروسية، بعد ضم شبه الجزيرة عام 2014.
بيد أن الفيفا ماطلت لسنوات، وأرسلت مستشارها لمكافحة العنصرية، طوكيو سيكسويل، للتحقيق، ثم قررت في النهاية عدم التدخل. ثم لجأ الرجوب والاتحاد الفلسطيني إلى محكمة التحكيم الرياضي (CAS) وخسروا القضية، وأُجبروا على دفع الصائر للفيفا.
بعد هذه المحاولات الفاشلة، لا تزال الحملة تعاني من مشاكل في القيادة وغياب استراتيجية ناجعة. فالرجوب والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ليسوا مؤثرين، ويفتقرون إلى المهارات اللازمة لحشد الدعم.
بل إن الرجوب وصل متأخرًا إلى مؤتمر الفيفا في بانكوك العام الماضي، مفضّلًا حضور مباراة ودية بين فلسطين وفريق بوهميانز النسائي في دبلن.
تعتمد فلسطين، تكتيكيًا، على استراتيجيات الستينيات والسبعينيات، حين نجحت الكاف والاتحاد الآسيوي في طرد جنوب إفريقيا وروديسيا وإسرائيل من المسابقات الكروية. حينها، كانت الدول المستقلة حديثًا متحدة بتجربتها المشتركة في مقاومة الاستعمار. لكن فيفا اليوم، غير فيفا الأمس، فمصدر إيراداته لم يعد تذاكر المباريات بل الرعاية التجارية، وصار اتخاذ القرارات مركزيًا في مجلس الفيفا، المعين من طرف الرئيس.
بعد هذه المحاولات الفاشلة، لا تزال الحملة تعاني من مشاكل في القيادة وغياب استراتيجية ناجعة. فالرجوب والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ليسوا مؤثرين، ويفتقرون إلى المهارات اللازمة لحشد الدعم
إن إنفانتينو، كسابقيه، حريص على إبقاء السياسة خارج كرة القدم. فأي خطوة قد تزعج رعاة الفيفا التجاريين والدوليين، يهدد مصالح كبار المسؤولين.
لكن في المقابل، منحَ الاحتراف في اللعبة مزيدًا من القوة للاعبين والجماهير، وهم الفئة التي ينبغي لأنصار فلسطين مخاطبتها. ففي مباراة دوري أبطال أوروبا بين سيلتيك وبايرن ميونيخ، رفع المشجعون لافتة تطالب الفيفا واليويفا بطرد إسرائيل، وانتشرت الحملة لاحقًا في أيرلندا وإسبانيا وفرنسا والمغرب.
في بلجيكا، لم توافق أي بلدية على استضافة مباراة إسرائيل في دوري الأمم الأوروبية، ما اضطرها للعب في أرض محايدة. وفي المدن التي استضافت الفرق الإسرائيلية، تسببت أعمال شغب جماهيرها في أمستردام وباريس في إعادة النظر بجدوى استضافتهم مستقبلًا.
أخيرًا، لم تكن الفيفا في البداية تريد حظر روسيا، فقد اقترح إنفانتينو السماح لها باللعب بقمصان محايدة ودون عَلم أو نشيد. لكن روبرت ليفاندوفسكي، قائد بولندا، رفض اللعب ضد روسيا، وأقنع زملاءه في التشيك والسويد باتخاذ الموقف ذاته، مما أجبر الفيفا على التراجع.
في تصفيات كأس العالم 2026، وُضعت إسرائيل في مجموعة تضم النرويج، التي كانت منتقدة للفيفا لأسباب تتعلق حقوق الإنسان. وقد تبرع نادي بودو/غليمت النرويجي بإيرادات مباراته أمام مكابي تل أبيب لدعم غزة.
لو كان الاتحاد الفلسطيني ذكيًا، لكان قد ركّز جهوده على التأثير على اللاعبين الكبار مثل: إيرلينغ هالاند ومارتن أوديغارد، بدلًا من استجداء جياني إنفانتينو ورجاله.
النص مترجم عن هذا الموقع