تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

الأزمة الكونغولية.. هل تنجح الوساطات في إسكات البنادق؟

15 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

وصل الصراع الدائر في شرق الكونغو الديمقراطية مستوى غير مسبوق، فنطاق المعارك هذه المرة طال زمنيا وتمدّد جغرافيا، في واحدة من الصراعات العرقية القديمة التي تعود لما قبل الاستعمار البلجيكي، والعابرة للحدود في منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا. يمتزج السياسي والاقتصادي بالاثني والقلبي في حرب لم تستطع اتفاقات السلام الموقعة (2003 و2009) بين أطرافها، وأدها بشكل نهائي.

سبق لمنظمة الأمم المتحدة أن صنفت الصراع في الكونغو الديمقراطية بأنه من أكثر النزاعات دموية في العالم منذ الحرب العالم الثانية؛ ستة ملايين ضحية خلال ستة أعوام (1996-2003). وما بين عامي 2022 و2023 فرّ نحو 6.2 ملايين شخص، في واحد من أعلى أرقام النزوح في أفريقيا بسبب الحرب.

تتزايد المخاوف يوما بعد آخر من حصيلة قياسية جديدة نتيجة هذه الحرب، فالأرقام من أرض المعارك تتحدث عن ضحايا بالعشرات يوميا، حيث تستهدف التجمعات السكانية في القرى والأرياف. تعزز ذلك بما تحرزه حركة "إم23" من نتائج في الميدان، فقد بسطت سيطرتها على مدينة جوما؛ كبرى حواضر شرق الكونغو الديمقراطية وعاصمة إقليم كيفو، ما ينذر بأزمة إنسانية كبرى.

إجماع دولي على الإدانة 

احتدام الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية حرّك القوى الدولية للتعبير عن إدانتها لما يجري هناك، فقد عبّرت الأمم المتحدة، منذ بداية الأحداث، في بيان لها عن إدانة هجمات "إم 23" بدعم من قوات الدفاع الرواندية، وأعقب ذلك بيان أخر، في 8 فبراير/ شباط الجاري، حول الاعتداء على العاملين في المجال الإنساني. 

كما أصدر مجلس الأمن الدولي تقريرا أدان فيه عمليات التشويش المتعمد، والتزييف الذي يتعرض له نظام تحديد المواقع (GPS) لدعم حركة "إم23" في منقطة كيفو، واعتبر ذلك خطرا وشيكا على سلامة الطيران المدني، ناهيك عن تأثيره السلبي على علميات إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين ضحايا الصراع بشرق الكونغو. 

أدانت الولايات المتحدة الأمريكية التصعيد في بيان صادر عن وزارة الخارجية، تلاه اتصال هاتفي من ماركو روبيو، وزير خارجتها بالرئيس فيليكس تشيسكيدي. بيان وزارة الخارجية البريطانية بدوره سار في منحى الشجب والإدانة لما يقع هناك من عنف. من جهتها، أعربت مجموعة السبع عن إدانتهم لتصعيد المتمردين، معتبرة ذلك انتهاكا صارخا لسيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

من جانبه، عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق إزاء التصعيد الدراماتيكي للصراع هناك، وأدان في بيان رسمي، مع بداية الأحداث، استيلاء الحركة على مدن في شرق البلاد، معتبرا ذلك انتهاكا غير مقبول لوقف إطلاق النار. طالب البرلمان الأوروبي بدوره، يوم الخميس الماضي (13 فبراير/ شباط)، المفوضية الأوروبية بتعليق اتفاقية المعادن واسعة النطاق مع رواندا، وتجميد الدعم المباشر لميزانية هذه الأخيرة حتى تقطع علاقاتها مع حركة "إم23".

تصعيد أوروبي يعزى، حسب دبلوماسي أوروبي، إلى التفاعل الأوروبي مع الضغط الشعبي هناك، حيث تعرضت عدد من السفارات؛ الفرنسية والأمريكية والرواندية والأوغندية والكينية، للهجوم من قبل المتظاهرين في العاصمة كينشاسا، يوم الثلاثاء 12 فبراير/ شباط الجاري، احتجاجا على تصاعد الصراع في شرق البلاد.

ندّد الاتحاد الأفريقي في بيان له، في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، بالعنف المتصاعد في شرق الكونغو الديمقراطية، ودعا الحركة المتمردة إلى إلقاء السلاح. مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن، بانكولي أيديويي، أدان "العنف الذي تمارسه حركة "إم23"، ودعا إلى الاحترام الكامل لسيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية ووحدتها وسلامة أراضيها".

يذكر أن العلميات العسكرية لحركة "إم23" أودت بحياة 13 فردا من قوات حفظ السلام المنتمين لدولة جنوب أفريقيا، ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام بالكونغو الديمقراطية "مونوسكو". إضافة إلى مقتل اللواء بيتر سيريموامي، الحاكم العسكري لمنطقة شمال كيفو، خلال مواجهات مباشرة ضد المتمردين.

تُهم متبادلة بين كينشاسا وكيغالي 

سلطت الإدانات الدولية الضوء على رواندا باعتبارها داعمة لحركة "إم23"، فحتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين سئل فجأة، خلال مؤتمر صحفي، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن خطة لإحلال السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية كان رده على الصحفيين: "أنتم تسألونني عن رواندا، إنها مشكلة خطيرة جدا، أقر بهذا، لكنني لا أعتقد أن من المناسب التحدث عنها الآن. لكنها مشكلة خطيرة جدا".

تصر الحكومة الكونغولية على اتهام رواندا بتأجيج الصراع شرق البلاد، بنشر الآلاف من قواتها المسلحة ومعداته العسكرية فوق الأراضي الكونغولية، وذلك بغية تسهيل تقديم الدعم للمتمردين بمنطقة شرق الكونغو. اتهام تستند في القول به إلى بيانات صادرة عن مجموعة خبراء في الأمم المتحدة، التي دعا أمينها العام أنطونيو غوتيريش، في تصريح إعلامي القوات الرواندية إلى مغادرة شرق الكونغو الديمقراطية، ما يؤكد حقيقة التورط الرواندي في المنطقة. 

خلقت هذه التهم سجالا في مجلس حقوق الإنسان، الذي اعتمد في 6 فبراير/ شباط الجاري، قرارا بإنشاء لجنة لتقصي الحقائق بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في شرق الكونغو، حيث اتهم وزير الاتصالات والإعلام، باتريك مويايا كاتيمبوي، رواندا بدعم حركة "إم23" ما أدى إلي تأجيج العنف شرق بلاده. في المقابل، رفض جيمس نغانغو، السفير الرواندي لدى الأمم المتحدة في جنيف، هذه المزاعم مؤكدا بأن "هجوما ضد رواندا كان وشكيا".

روندا بدورها تتهم الكونغو الديمقراطية بدعم متمردي "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" التي تعتبرها كيغالي تهديدا لأمنها القومي، ما استدعى نشر قوات لها داخل الأراضي الكونغولية على الحدود المشتركة بين البلدين. وهذا ما سبق للرئيس الرواندي بول كاغامي أن عبّر عنه حين انتقد الأمم المتحدة، "خبراء يروون القصة بشكل يعكس غياب الخبرة لديهم في الملف"، متهما المجتمع الدولي بتجاهل الأسباب الحقيقة لاستمرار الصراع في المنطقة.

ذات الموقف أكده يوم الثلاثاء الماضي (12 فبراير/ شباط)، إيغور سيزار؛ السفير الرواندي لدى ألمانيا، أمام لجنة في البرلمان الأوروبي، وهو بصدد مناقشة مراجعة اتفاقيات التعاون بين بروكسيل وكيغالي، معتبرا أن "رواندا ليست مصدر هذا الصراع، ولا هي مسؤولة عن حله بمفردها". 

جهود ومساعي للوساطة 

التقطت عدة أطراف هذه الإشارة، حتى قبل أن يصرح بها ممثل الدبلوماسية الرواندية في برلين، ففتحت باب الوساطة بين الطرفين. في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، حل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في المنطقة، في إطار جهود فرنسا الرامية إلى وقف التصعيد، وجاء ذلك تحديدا بعد يومين من استهداف السفارة الفرنسية مع سفارات أخرى في كينشاسا.

صرّح كريستوف لوموان، المتحدث باسم الدبلوماسية الفرنسية، أن تحرك الوزير جاء بعد اتصالات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيريه الكونغولي والرواندي، مضيفا أن "الهدف هو التوصل إلى حل دبلوماسي لهذا الصراع الذي لا بد أن ينتهي فورا". 

لكن حظوظ التحرك الفرنسي لإنهاء النزاع تبقى ضعيفة جدا، بسبب تداعي صورة فرنسا في أفريقيا، فالحضور الفرنسي في أي رقعة في القارة صار مرادفا في العقل الأفريقي للاستغلال والنهب والمصالح، ما يجعل باريس طرفا غير مرغوب فيه في ربوع أفريقيا، فكيف له أن تكون وسيطا لحل نزاع؟

حاول الرئيس السنغالي بشير فاي بدوره الدخول على الخط، أملا منه في تطويق النزاع، بإعلانه في تغريدة على منصة إكس قيامه باتصالات بين الرئيسين الرواندي والكونغولي، وجاء في تغريدته: "أردت الاطلاع على تطورات الأحداث، واستكشاف سبل حوار صريح مع الزعمين من أجل تحقيق سلام دائم في المنطقة، ستظل السنغال ملتزمة بالاستقرار والأمن في أفريقيا والعالم".

أعلنت حركة "إم23"، في 3 فبراير/ شباط الجاري، وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية، مع حديث الرئيس الكيني وليام روتو عن أول قمة مشتركة للكتل الإقليمية في جنوب وشرق أفريقيا، يومي 7 و8 فبراير/ شباط الحالي، في تنزانيا، حضرها الزعيمان كاغامي وتشيسكيدي (عن بعد)، افتتحت بتأكيد سامية حسن مستضيفة القمة على أن "التاريخ سيحكم علينا بقسوة إذا وقفنا صامتين وشاهدنا الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم".

بعيدا عن الأضواء، يظهر أن قطر تباشر جهود وساطة بين الطرفين، فمع بدايات الصراع قام وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد الخليفي بزيارة إلى البلدين، في الوقت ذاته دعا بيان وزارة الخارجية، في 29 يناير/ كانون الثاني، "كافة الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد وتغليب صوت الحكم وحل الخلافات بالحوار والوسائل السلمية".

جاءت زيارة الرئيس الرواندي بول كاغامي إلى الدوحة التي وصفت بزيارة عمل، يوم الثلاثاء الماضي، لتؤكد الحراك الدبلوماسي القطري بين الطرفين لحل الأزمة، بعد زهاء شهر فقط على زيارة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية للبلاد في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، مع يؤكد العلاقات القوية للجانبين مع الدولة.

يُذكر أن للدوحة تجربة سابقة في هذا الصراع المعقد، حيث قادت جولة مفاوضات عام 2023، لم يعلن عنها رسميا، بين البلدين بمشاركة مسؤولين من كينيا والاتحاد الأفريقي، تحضيرا لتوقيع اتفاق يعيد الروح إلى اتفاق لواندا لعام 2022.