الأحد 9 فبراير 2025
تنتهي عضوية دول تحالف الساحل (مالي وبوركينافاسو والنيجر) بشكل رسمي في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفق أحكام المادة 91 من معاهدة الإيكواس، اعتبارا من 29 يناير/ كانون الثاني 2025، بعدما مرور فترة انتقالية مدتها سنة كاملة، على قرار المجالس العسكرية في الدول الثلاث الانسحاب، متهمين المنظمة بفرض عقوبات "غير إنسانية" على بلدانهم، بعدما كانت أبواب المجموعة مفتوحة أمامهم طيلة هذه المدة.
لا تزال دول التكتل مصرة على عودة الثلاثي المنسحب إلى أحضان المجموعة، بإعلانها في الاجتماع الأخير تمديدا جديدا للفترة الانتقالية، مع تكليف رؤساء دول بمواصلة دور الوساطة بين الجانبين، فتجمع الإيكواس متوجس من أن يكون الانسحاب بداية نهاية المنظمة، لا سيما أن الثلاثي المنسحب أقدم على تأسيس كيان موازي في المنطقة؛ "كونفدرالية دول الساحل" (AES)، في 6 يوليو/ تموز 2024، ما قد يحمل في طياتها بوادر انهيار الإكواس؛ خصوصا أن أداء التكتل الضخم (15 دولة) متواضع جدا قياسا إلى عمره (28 مايو/ آيار 1975).
قضى الاجتماع الأخير؛ في 15 من الشهر الجاري، لهيئة رؤساء الدول والحكومات التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في العاصمة أبوجا، برسم الدورة 66، بمنح مهلة جديدة مدتها ستة أشهر؛ أي حتى نهاية يوليو/ تموز من العام المقبل، لحكومات هذه الدول قصد إعادة النظر في قرار الانسحاب من التكتل. وقد علق الرئيس الدوري للمجموعة، بولا تينوبو رئيس نيجيريا، على المسألة، بقوله: "دعونا نواصل العمل معا من أجل تحقيق السلام والأمن والرخاء في غرب أفريقيا... الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية".
كما قرّر قادة المجموعة تأييد جهود الوساطة الدبلوماسية التي يقودها كل من الرئيس السنغالي باسير فاي والرئيس التوغولي فور غناسينغبي، مانحين الزعيمين مهلة إضافية، حسب ما جاء في بيان القمة؛ "قررت الهيئة اعتبار الفترة من 29 يناير/ كانون الثاني 2025 إلى 29 يوليو/ تموز 2025 فترة انتقالية، وإبقاء أبواب المجموعة الاقتصادية لدول عرب أفريقيا مفتوحة أمام الدول الثلاث"، أملا في إقناع المنسحبين بالعودة إلى أحضان الكتلة الاقتصادية الإقليمية.
ذلك ما أكده الدبلوماسي الغامبي عمر علي توراي، رئيس مفوضية إيكواس، في ختام أشغال القمة، معلنا أنه جرى تمديد موعد الانسحاب الفعلي، وهي فترة انتقالية سيحاول خلالها وسطاء من التكتل السعي إلى "إعادة الدول الثلاث الأعضاء إلى الإيكواس دون أضرار".
لكن الشك يراود قادة المنظمة الاثنا عشر حيال نجاح المهمة، ما دعاهم إلى برمجة اجتماع خاص في الربع الثاني من عام 2025 قصد النظر في صيغ الانفصال، وكذا الموافقة على خطة الطوارئ للعلاقات السياسية والاقتصادية بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والجمهوريات الثلاث؛ مالي والنيجر وبوركينافاسو.
ألقى ملف الأمن بظلاله على أشغال القمة بسبب تصاعد وثيرة العنف في المنطقة إلى جانب الاندماج الاقتصادي، حيث تم الإعلان عن تسريع إخراج قوة إقليمية لمكافحة الإرهاب إلى جيز الوجود اعتبارا من عام 2025، وذلك تنفيذا لمخرجات لجنة قادة الأركان التابعة للإيكواس، في أغسطس/ أب الماضي، في ظل تزايد الهجمات التي تشنها الجماعات المتطرفة بانتظام على عدد من دول غرب أفريقيا، ما يشكل تهديدا للاستقرار بالمنطقة برمتها.
سبق للجنة قادة الأركان التأكيد في آخر اجتماع لها على ضرورة تفعيل القوة الاحتياطية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول عرب أفريقيا، بهدف نشر 5000 عنصر أمني، بما في ذلك فرقة معينة بمكافحة الإرهاب مكونة من 1650 عنصرا أمنيا. قوة ضرورية لمواجهة التهديدات المتزايدة في المنطقة في السنوات الأخيرة.
فقد أكد الجنرال موسى كريستوفر، قائد أركان جيش نيجيريا، خلال ذلك الاجتماع، بأن "التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود أولوية قصوى"، وأضاف أنه: "لا يمكن لأي دولة أن تواجه هذه التحديات بمفردها. قوتنا تكمن في وحدتنا وتصميمنا الجماعي على حماية الاستقرار والحكم الديمقراطي في غرب أفريقيا".
قرأ الكثيرون في هذه الخطوة ردا غير مباشر، أشبه بمحاولة لتبرئة الذمة أمام شعوب المنطقة، على مبرر التقاعس في محاربة الإرهاب، الوارد في قائمة المبررات التي يبرر بها الثلاثي قرار الخروج من التكتل. خصوصا بعد نجاح الرئيس البوركينابي بحشد الآلاف من المواطنين للقتال جنبا إلى جنب الجيش ضد التنظيمات المتطرفة المنتشرة في مناطق عدة بالبلد.
قررت المجموعة أيضا قرارا تاريخيا، يقضي بإنشاء محكمة خاصة بشأن الجرائم المرتكبة في غامبيا، بين عامي 1994 و2017، في عهد الدكتاتور يحيى جامع، فقد أعلنت وزارة العدل الغامبية، في بيان صحفي، بأن رؤساء دول وحكومات الإيكواس "اتخذوا قرارا تاريخيا بإنشاء محكمة خاصة لغامبيا". مؤكدة أن القرار "يسمح باعتماد النظام الأساسي للمحكمة التي ستضمن العدالة وتحديد المسؤوليات عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في عهد جامع"، ما اعتبرته الحكومة الغامبية خطوة مهمة لغامبيا والمنطقة والمجتمع الدولي.
لجأ جامع إلى غينيا الاستوائية، بعد خسارة الانتخابات الرئاسية نهاية عام 2016، أمام الرئيس الحالي أداما بارو، ما يعني أن محاكمته في هذه المحكمة الخاصة غير مضمونة حتى الآن، لانعدام اتفاق تبادل المجرمين بنجول ومالابو الذي يتولى يحكمها أطول رئيس في أفريقيا؛ تيودور أوبيانغ مباسوغو منذ 1979 (45 عاما).
أيا يكن الأمر، فقرار الإيكواس تاريخي فعلا، لكن السؤال هنا لماذا تأخر كل هذه المدة؟ وخصوصا أن إثارته في السنوات الأخيرة تزايد، لكن ظل موضع تأخيرات متوالية حتى هذه القمة تحديدا؟ الجواب بكل بساطة، حسب خبراء في شؤون المنطقة، هو تحالف الساحل؛ نعم فالخطاب الشعبوي لقادة الكونفدرالية يسمح بتوظيف مثل هذه التفاصيل، لتأليب الشعوب ضد قادتهم أولا، وضد التكتل ثانيا. ما فرض على المجموعة التحرك بسرعة، لتقديم الدليل على أنها في صف شعوب المنطقة وليس ضدها، كما يردد الزعماء العسكريون في الدول المنسحبة.
سارعت دول التحالف قبل انعقاد القمة بساعات إلى إصدار بيان تؤكد فيه أنها ماضية في إدارة الظهر للإيكواس، مجددة التمسك بموقفها مغادرة المنظمة الإقليمية الذي اعتبرته "قرارا لا رجعة فيه". مضيفة، في هجوم مباشر على الإيكواس، أن دول الساحل كيان بديل لأية تجمع إقليمي مصطنع تسيطر عليها قوة أجنبية.
وأضافت الكونفدرالية في بيان، عقب اجتماعها بالعاصمة نيامي، أن الدول ملتزمة بخدمة مصالح شعوبهم، وأعلنت في ذات السياق عن تحولها إلى "منطقة بدون تأشيرة بالنسبة لأي مواطن من البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا". بذلك يصبح لمواطني دول الإيكواس "الحق في الدخول والتنقل والإقامة والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفدرالية دول الساحل وفقا للقوانين الوطنية السارية".
قرار جديد من شأنه أن يزيد الضغط على الإيكواس، لا سميا أن دول التحالف بصدد التحول إلى كونفدرالية تلغي الحدود بينها، وتوحد عملتها وجواز سفرها، فضلا عن قدراتها العسكرية والأمنية لمواجهة التحديات المتزايدة بالمنطقة. وكان النجاح في إنهاء الوجود الفرنسي؛ الدبلوماسي وعسكريا، فوق أراضي الدول الثلاث، لا بل وامتداد رياحه نحو دول أخرى بالمنطقة (تشاد والسنغال...)، محفزا زعماء التحالف على مواصلة مشروعهم، مستندين في ذلك بدعم قوى دولية بديلة عن الغرب (روسيا والصين وتركيا...) تبحث عن تعزيز مواقعها في القارة.
تبدو الإيكواس في موقف المضطر للقبول بأي حل غير الانسحاب، لدرجة أن الحديث في الأروقة عن خيار منح وضع خاص لهذه الدول، على غرار ما حدث مع موريتانيا قبل سنوات أو على الأقل تأجيل الحسم النهائي في الخروج حتى وقت لاحقا، طمعا في الرهان على الزمن لتذويب الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
كل ذلك مخافة ظهور تجمع جديد بالمنطقة (تحالف الساحل) سوف يضع الإيكواس في ميزان المقارنة، ناهيك عن أن خروج الثلاثي يعني خسارة سوق استهلاكية ساكنتها تقدر بنحو 72 مليون نسمة، وخسارة ناتج محلي إجمالي يصل إلى 51 مليار دولار وفقا لأرقام البنك الدولي لعام 2022.