الأحد 9 نوفمبر 2025
وافقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس"، أواخر شهر يوليو/ تموز، على انضمام ثلاثي تحالف الساحل (مالي والنيجر وبوركينافاسو) إلى مجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسيل الأموال في غرب أفريقيا (GIABA)، في الاجتماع الاستثنائي للجنة الوزارية للمجموعة الذي عُقد بالعاصمة الغانية أكرا، وجاء ذلك في بيان يفيد "السماح للدول الثلاث التي انسحبت من إيكواس بالانضمام إلى مجموعة العمل الحكومية بصفتهم أعضاء من خارج الإيكواس".
قد يبدو الخبر للكثيرين عاديا، فمؤسسة "GIABA" قديمة في المنطقة، فقد استحدثت منذ عام 2000 لتعزيز قدرات الدول على مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في غرب أفريقيا. لكن قطعا ليس كذلك، فهذا أول اعتراف رسمي من الإيكواس بكونفدرالية دول الساحل (AES)، لا بل قبول التعاون مع دول التحالف بصفتهم أعضاء خارج التكتل الاقتصادي.
يظهر أن قيادة الإيكواس اقتنعت بالأمر الواقع، فانتقلت في تعاملها مع تحالف الساحل من التهديد والرغبة في التطويع نحو التسوية والمصالحة ورأب الصدع وصولا إلى القبول والاعتراف بهذا الكيان الجديد في المنطقة، وحتى البحث عن إمكانيات للعمل المشترك معا. لا سيما أن هذا الثلاثي يمعن في رسم مساره، بعزم وإصرار، رافضا التراجع عن هذه المغامرة التي بدأت، بسبب تزايد حجم القبول الجماهيري بها، تغري الجيران مع انحسار النفوذ الفرنسي في المنطقة.
يتوقع مع مرور الوقت، أن تنقلب تجربة كونفدرالية الساحل من ثلاث دول غامرت باستبدال الهيمنة وتغيير الاصطفاف؛ أي إحلال موسكو محل باريس، وفقا لسردية ترى أن الجيوش لا تؤمن بالديمقراطية فكيف تؤسس لها إذن؟ إلى منافس للإيكواس أو على الأقل تجمع آخر بمقدوره فضح نواقص المجموعة الاقتصادية. ما دفع التكتل إلى تحريك ملفات كانت باستمرار محل تأجيل، آخرها إطلاق عملة موحدة باسم "الإيكو" حتى يحافظ على بريقه لدى الدول الأعضاء وقبل ذلك عند شعوب هذه الدول.
بعد سنوات من التأجيل، أعلنت الإيكواس التحضير لاعتماد العملة الموحدة "الإيكو" منتصف عام 2027، وجاء ذلك على لسان رئيس مفوضية التكتل عمر أليو تواري، في 31 يوليوز/ تموز المنصرم، خلال لقاء في العاصمة الغامبية بانجول، حيث أكد بأن العملة قد تصبح واقعا خلال عامين، "لقد حددنا عام 2027 موعدا نهائيا لإطلاق العملة الموحدة"، مضيفا بأن "قادة الدول الأعضاء أبدوا الإرادة السياسية اللازمة للمضي قدما في تنفيذ المشروع".
تتأكد هذه المرة الرغبة في الانتقال من النوايا السياسية إلى التنفيذ الفعلي، باعتماد مقاربة استراتيجية جديدة بموجبها تم التخلي عن شرط الالتزام الصارم بجميع معايير التقارب المحددة من قبل كافة الأعضاء؛ عجز ميزانية في حدود 3٪ وتضخم أقل من 10٪ وديون أقل من 70٪ من إجمالي الناتج المحلي، والاقتصار بدل ذلك على الدول الجاهزة فقط، ف "الفكرة هي إطلاق العملة الموحدة مع من هم مستعدون" حسب تواري، مع "دعم من يحتاجون إلى مزيد من الوقت حتى يتمكنوا من استيفاء معايير التقارب"، ما يسهل تجاوز عقبة العراقيل الناجمة عن التفاوتات الاقتصادية والمالية بين دول المنطقة.
من شأن تنفيذ مشروع الإيكو أن يزيد من ثقل الإيكواس في الشؤون التجارية والمالية الدولية، فنحن أمام سوق تضم حوالي 1/3 من سكان القارة الأفريقية
تحمل العملة الموحدة فرصا واعدة لهذا التجمع الاقتصادي، بيد أن ذلك مشروط بتوافق الأعضاء على قواعد مشتركة، تشمل تحديد السياسات النقدية وأسعار الفائدة... على أن تدار هذه السياسات من خلال هيئة مركزية تتولى تنسيق الشؤون الاقتصادية للمنطقة. إضافة إلى وجود نظام تضامني يقوم على دعم الاقتصاديات الأقوى للدول الأضعف، على غرار ما قامت به ألمانيا مثلا في الاتحاد الأوروبي مع اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
من شأن تنفيذ مشروع الإيكو أن يزيد من ثقل الإيكواس في الشؤون التجارية والمالية الدولية، فنحن أمام سوق تضم حوالي 1/3 من سكان القارة الأفريقية (425 مليون نسمة). فضلا عن كونها خطوة نحو أدوار أكبر في صياغة الموقف الأفريقي الموحد في المنتديات الدولية، مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.
لكن كسب هذا الرهان دونه عقبات جمة، فقد سبق لهذا الحلم الإقليمي أن تعرض لخيبة أمل عام 2020، حيث كان هذا التاريخ موعدا لولادة الإيكو، لكن ذلك لم يتحقق حينها بدعوى جائحة كورونا، رغم وجود بنية داعمة للعملة، مثل: "المنطقة النقدية لغرب أفريقيا" (WAMZ)، وهو تكتل صغير داخل المجموعة يضم: نيجيريا وغامبيا وغانا وسيراليون وليبيريا وغينيا و"جواز سفر الموحد" (ECOWAS Passport) و"المعهد النقدي لغرب أفريقيا"...
استعادة الحلم النقدي لا يعني أن الطريق أضحت سالكة نحو تحقيق الهدف، بل على النقيض ازدادت التحديات مع ظهور متغيرات في المنطقة عقدت المشهد، خصوصا ما يتعلق بواقعة انسحاب الثلاثي (مالي والنيجر وبوركينافاسو)، وما أعقب ذلك من تطورات متلاحقة (العقوبات الاقتصادية والتهديد العسكري) جعلت مشروع العملة الموحدة في مهب الريح.
ما فتئ رئيس المفوضية عمر تواري يردد أن "إيكواس ليست مجرد كيان إداري، بل تجسيدا لإرادة الشعوب في العيش المشترك وتحقيق التنمية والأمن والازدهار"، لكن هذه الإرادة تواجه بعقبات بعضها ذاتي مرتبط بطبيعة وحجم الدول داخل تجمع الإيكواس، والأخر موضوعي بنوعية النظام المالي؛ فدول التكتل تخضع لنظامين ماليين مختلفين: دول لها عملة خاصة بها (نيجيريا وغانا وغينيا وليبيريا وسيراليون وغامبيا)، ودول أخرى لا تزال تتعامل بعملة الفرنك الأفريقي التي تسمح لباريس بمواصلة الإمبريالية النقدية في أفريقيا.
نجاح هذه الخطوة الكبيرة مقرون بوجود قوة دافعة كبرى؛ أي دول مؤهلة على الانخراط في المشروع أولا، وثانيا قادرة على تحمل تقلباته بما يتوفر لديها من استقرار مؤسساتي. وحاليا، لا تتعدى الدول التي بمقدورها الاستجابة لهذا الشرط أصابيع اليد الواحدة، ما يجعل الأغلبية في موقع التابع وليس الفاعل والمؤثر اقتصاديا لدعم ثبات واستقرار العملة الجديدة.
هذا ما يدفع أعضاء في التكتل إلى التعبير صراحة عن مخاوف من هيمنة نيجيريا على السياسات النقدية المرتبطة بالإيكو، فالناتج المحلي الإجمالي لأبوجا يقارب 2/3 الناتج المحلي الإجمالي للإيكواس، حتى قيل بأن نيجيريا بهذا الثقل مقبلة على تكرار تجربة ألمانيا في الاتحاد الأوروبي والصين في تجمع البريكس.
نجاح هذه الخطوة الكبيرة مقرون بوجود قوة دافعة كبرى؛ أي دول مؤهلة على الانخراط في المشروع أولا، وثانيا قادرة على تحمل تقلباته بما يتوفر لديها من استقرار مؤسساتي
على صعيد التنفيذ، يبقى اعتماد عملة موحدة في الدول ذات العملات عملية سهلة نسبيا، بخلاف مسألة دمج الإيكو مع الفرنك الأفريقي؛ العملة السائدة في الدول الناطقة بالفرنسية أو ما يعرف بمجموعة "UEMOA" (ساحل العاج والسنغال وبنين وغينيا بيساو والتوغو)، وذلك لارتباط هذه العملة الاستعمارية بفرنسا التي لا تزال تهيمن، رغم انحسار نفوذها العسكري في المنطقة، على السياسات النقدية المرتبطة بالفرنك بدعوى ضمان استقرار قيمة العملة.
ما يعيد إلى الواجهة أسئلة عن علاقة العملة الجديدة مع فرنسا، لا سميا في تلك الدول التي كانت تستخدم عملة "فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا"، وهي الاسم القديم لما يعرف بعد الاستقلال "فرنك المجتمع الفرنسي في أفريقيا"، وهل اعتماد هذه العملة هو إيذان ببداية التحرر النقدي من الهيمنة الفرنسية لدول غرب أفريقيا؟
تبقى هذه المعيقات في مجملها مقبولة، وحتى مقدور عليها، بالنسبة لكتلة اقتصادية بحجم الإيكواس، مقارنة بتحدي تحالف الساحل الذي ظهر في الآونة الأخيرة، فهو يتعدى الجوانب الهيكلية والتنظيمية نحو مساءلة شرعية وجود الإيكواس نفسها، فانسحاب الثلاثي كان رد فعل من زعمائها على تفريط الإيكواس في السيادة ببقاء المجموعة أسيرة تعليمات باريس.
يبدو أن قادة الكونفدرالية عازمون على ذلك، ولما لا السعي لبناء كتلة بديلة باستثمار نقط ضعف الإيكواس ومخاوف الأعضاء من الهيمنة والاستحواذ. وقد ظهر ذلك في إعلان الثلاثي، في باماكو شهر مايو /آيار المنصرم، عن خطوة جديدة نحو التكامل الاقتصادي بتأسيس بنك الساحل تحت اسم "البنك الكونفدرالي للاستثمار والتنمية" (BCID-AES).
يرمي البنك وفق البيان الذي أعقب الإعلان عنه إلى تمويل المشاريع الكبرى في المنطقة بشكل مستقل، ما يعزز قدرات الدول على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية دون الحاجة إلى المساعدات الخارجية، وذلك من خلال أربع ركائز أساسية: الأمن الجماعي والتكامل الاقتصادي والسيادة المالية والهوية الثقافية والتعليمية.
يبدو أن قادة الكونفدرالية عازمون على ذلك، ولما لا السعي لبناء كتلة بديلة باستثمار نقط ضعف الإيكواس ومخاوف الأعضاء من الهيمنة والاستحواذ
حدد رأس المال الأولي لبنك الساحل في 500 مليار فرنك أفريقي (890 مليون دولار) ينتظر أن تتم تعبئتها بمتم شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، على أن يفرج على باقي رأس المال بنهاية عام 2028. وقد اعتبر الحسيني سانو وزير الاقتصاد المالي أن "المصرف يعد أكثر من مجرد بنك، إنه مؤسسة تخدم السيادة المالية والتنموية لتحالف الساحل".
يرى خبراء أن هذه الخطوة مجرد محطة أولى لثلاثي الساحل في طريقهم نحو إنشاء بنك مركزي خاص بالكونفدرالية، كما يتم التحضير حاليا للإعلان عن مشروع برلمان مشترك، وفق ما كشفت عنه تقارير إعلامية شهر أغسطس/ آب المنصرم، ما يعني أن الدول سائرة نحو استقلال نقدي كامل مستقبلا.
بهذه الخطوات التي يراها مراقبون مجرد شعبوية عابرة للتغطية عن أزمات الأنظمة العسكرية يمكن إن ترجمت أفعالا على أرض الواقع أن تصبح تجمع الإيكواس برمته موضع تساؤل، فلا يعقل أن يظل تكتل اقتصادي عمره نصف قرن (1975) عاجزا عن تطوير نفسه، رغم ما يمتلكه من إمكانيات ومؤهلات طبيعية وجغرافية وبشرية بمقدورها لو أحسن استثمارها أن ينافس البريكس والاتحاد الأوروبي.
Actualités de la Confédération des États du Sahel du 15 août 2025.