تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 27 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

إعلان أنقرة: حلّ أم ترحيل للصراع بين الصومال وإثيوبيا؟

16 ديسمبر, 2024
الصورة
Geeska cover
Share

شهدت الأزمة الإثيوبية الصومالية انفراجة بعد إعلان أنقرة المشترك بين زعيمي البلدين، بوساطة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب إخفاق جولتي تفاوض على مستوى وزراء الخارجية، منذ اندلاع الأزمة مطلع العام الجاري.

تضمّنت التسوية اعتراف إثيوبيا باستقلال وسيادة ووحدة أراضي الصومال، مقابل حصولها على امتيازات تجارية، وتسهيلات تتعلق بوصولها إلى البحر، سيُجرى العمل على تحديدها لاحقًا. كما خلقت سجالًا، بين من يراها نجاحًا لمقديشو التي أجبرت أديس أبابا على احترام سيادتها، ومن يراها تفريطًا مقابل الإقرار بما هو حقّ أصيل.

بنود فضفاضة  

ظهر الزعماء الثلاثة في مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة، يوم الأربعاء 11 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وعلّق أردوغان بقوله: "الاتفاق التاريخي خطوة أولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون". وتضمن الإعلان المشترك بنودًا حول تجنب الخلافات، والاحترام المتبادل لسيادة الدولتين، والتفاوض على حصول إثيوبيا على منفذ بحري، تحت السيادة الصومالية، بتسهيل من تركيا.

صوماليًا، لم يلق الإعلان ترحيبًا شعبيًا كبيرًا، ووُجهت إليه انتقادات من العديد من الساسة والمعلقين، حول قضيتين؛ الأولى عدم إعلان إثيوبيا الانسحاب بشكل صريح من مذكرة التفاهم مع صوماليلاند، والثانية الاتفاق على منحها وصولًا إلى البحر.

يبدو حسن شيخ مثل المنقلب على عقبيه؛ فحتى أيام قليلة قبل التوقيع على الإعلان، كانت إثيوبيا بمثابة العدو الطامع، الذي يزعزع الاستقرار من خلال تقديم السلاح لخصوم الحكومة الفيدرالية. ينبغي لتقديم تفسير حول تغير موقف حسن شيخ العودة إلى السيناريو البديل، وهو الصدام مع القوات الإثيوبية المتواجدة في الصومال، وخاصة في بعثة "أتميس"، مع حلول موعد انتهاء تفويض البعثة مطلع العام 2025. في تصريح سابق بتاريخ الرابع من الشهر الجاري، حذر وزير الدفاع إثيوبيا من أنّ قواتها ستعتبر "قوات احتلال" بنهاية العام الجاري، ما لم تنسحب من مذكرة التفاهم مع صوماليلاند. كانت الأحداث تسير نحو الصدام، بعد أنّ رفع حسن شيخ وحكومته سقف المواجهة مع إثيوبيا، رافضين مشاركتها في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة "أصوم".

زاد من تأزم الوضع أنّ الحكومة الفيدرالية لم تسع لتوحيد الجبهة الداخلية، لمواجهة ما اعتبرته أطماعًا إثيوبيةً، حيث تابع حسن شيخ مشروعه السياسي الذي تسبب في القطيعة مع ولاية بونتلاند، بل وأرسل قوات الجيش الوطني إلى ولاية جوبالاند لمواجهة رئيسها أحمد مدوبي، بعد تخليه عن مشروع حسن شيخ السياسي.  

يمكن وصف إعلان أنقرة، في هذه الظروف، بأنّه مخرج يحفظ ماء الوجه للرئيس حسن شيخ، الذي وضع نفسه في مأزق، بسبب طريقته في إدارة الأزمة مع إثيوبيا، بالطريقة التي كادت أنّ توصلها إلى المواجهة العسكرية. علاوةً على هذا، فليس مستبعدًا أنّ تكون المصالح الشخصية للرئيس، والمتمثلة في إقرار مشروعه السياسي، الذي يهدف من خلاله لتأمين ولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقررة في 2026، دفعته إلى القبول بتسوية مع إثيوبيا، للتفرغ لإدارة الصراع مع خصومه في بونتلاند وجوبالاند والمعارضة السياسية.

ترحيل أم حلّ للأزمة

لم تنته الأزمة بالكلية، إذ لا تزال معلقة على المحادثات المزمع عقدها في شباط/ فبراير المقبل، والتي تسعى لتحقيق الهدف الإثيوبي بالحصول على وصول أمن ومستدام إلى البحر، تحت إطار السيادة الصومالية. مع ذلك، وضعت التسوية حدًا لحرب التصريحات الحادة، وأوجدت مخرجًا لمقديشو من تعهداتها بطرد القوات الإثيوبية من البلاد.

مقابل هذا، منح حسن شيخ إثيوبيا منفذًا إلى البحر، وقبل ببقاء قواتها. بصيغة أوضح، تخلى عن كل ما انتقد إثيوبيا بشأنه، وعلى رأس ذلك عدم إعلانها الانسحاب من المذكرة مع صوماليلاند.

أما حول الاعتراف الإثيوبي باحترام وحدة واستقلال وسيادة الصومال، فلم يتضمن أي جديد، فمن الناحية النظرية تعترف إثيوبيا بهذا من خلال توقيعها على مواثيق المنظمات الدولية، مثل: الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، كما أنّها لم تصرح ضد هذا المبدأ، حتى حين كشفت عن مذكرتها مع صوماليلاند.  

احتفظت أديس أبابا من جهتها بمذكرة التفاهم، وببقاء قواتها في البلاد، وحازت على اعتراف بحقها في الوصول إلى البحر، وتجنبت الضغوط الدولية. مع هذا، فلا يبدو أنّها واثقة بالقدر الكاف مما ستتمخض عنه المفاوضات المرتقبة مع الحكومة الفيدرالية، ومدى التزام الحكومات التي ستتبعها بالاتفاقيات، فقد سبق لها التوصل إلى اتفاق بشأن الموانئ، في 2018، مع الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، ولم يترجم إلى واقع ملموس حتى نهاية عهده، وتعرض للإلغاء مع خلفه حسن شيخ عقب تنصيبه في مايو/آيار 2022.  

في هذا السياق، تبدو تركيا أبرز الرابحين، لعدة أسباب، وهي: ارتفاع أسهمها بصفتها وسيطا دوليا، لا سيما بعد الدفعة الكبيرة لمكانتها الدولية بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، على يد المعارضة المسلحة. كما أنّها حافظت على علاقاتها القوية بطرفي الأزمة، وخرجت بالعديد من الاتفاقيات مع الصومال، ومنها الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية، التي تمنحها حصة كبيرة من الثروات البحرية الصومالية مقابل التعهد بحماية مياهها الإقليمية، وغير هذا من الاتفاقيات التفصيلية حول استكشاف واستخراج النفط.  

يُضاف إلى هذا، تعزيز مكانة تركيا في القرن الأفريقي، وترسيخ وجودها في الصومال وإثيوبيا، كما أنّها ستكون الوسيط بين البلدين في المحادثات المقبلة حول المنفذ البحري، وفي ظل عدم قدرة البلدين على حشد أو ضخ استثمارات مالية لترجمة أية اتفاقيات تتعلق بالموانئ، فإن تركيا ضمنت أسبقية وأولوية في الاستثمار لتنفيذ أي اتفاق حول المنفذ البحري، بما يشمله من موانئ وبنية تحتية وغيرهما.

لم تسلم وساطة تركيا رغم ذلك من النقد، وقد تكون بداية لتحول في التعاطي الصومالي الشعبي معها، من التسليم التام على غرار موافقة البرلمان الفيدرالي على الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية دون اطلاع على مضمونها، إلى التوجس والحيطة والحذر.  

خيبة أمل إقليمية  

في ظل ما سبق، يمكن وصف إعلان أنقرة بأنّه ترحيل للأزمة، وليس علاجًا لها؛ وهو ما يمكن استشفافه من الفتور الإثيوبي حيال الإعلان، فلا يبدو أنّ حكومة أبي أحمد ترى فيه تحقيقًا مطمئنًا لهدفها في الوصول إلى البحر، وبالمثل سوَّقت الحكومة الصومالية للإعلان على استحياء، وبطريقة مغايرة عن صخب تحركاتها إبان الأزمة.

علقت حكومة صوماليلاند الجديدة على الموضوع، على لسان المتحدث باسم حزب "وداني" الحاكم، محمد عبدي، معتبرا أنّ صوماليلاند لا علاقة لها باتفاق عقدته دولتان شقيقتان. يتسق هذا مع سياسة حزبه الذي طالب منذ البدء بطرح مضمونها على الرأي العام. وقال: "إذا كانت (الاتفاقية) في مصلحتنا فسنعمل عليها، وإذا لم تكن في مصلحتنا فلن يتم العمل عليها، ولهذا سننتظر لنرى قبل اتخاذ قرار".  

إقليميًا، سيكون لإعلان أنقرة تداعيات على علاقة الصومال بمصر وإريتريا، الدولتين اللتين أعلنتا موقفًا حازمًا ضدّ إثيوبيا ودعمًا للصومال، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال غيابهما عن الترحيب بالإعلان. وقد رحبّت كل من الولايات المتحدة وقطر وجيبوتي ب "إعلان أنقرة".

في المجمل، لا يبدو أنّ تغيرًا كبيرًا سيطرأ على المدى القريب في العلاقات البينية بين دول القرن الأفريقي فيما يخص الموانئ، كما أنّ مستقبل المحادثات الصومالية الإثيوبية حول المنفذ البحري غير واضحة بعد، وتواجه تحديات كبيرة تتمثل في الرفض الشعبي وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في الصومال، واحتمال تنصل حكومات مقديشو من أية اتفاقيات محتملة. فضلًا عن أنّها لا تحقق لإثيوبيا أهدافها كاملةً من الوصول إلى البحر. استنادًا إلى ما سبق، لا يزيد إعلان أنقرة عن كونه ترحيلًا للأزمة إلى وقت لاحق، حيث لن تتخلى إثيوبيا عن حلمها التاريخي في الوصول إلى البحر لأهداف تجارية وعسكرية.