تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 23 يونيو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

أحداث كنابي بجنوب الجزيرة: عن تداعيات الصدام بين جوبا وبورتسودان

26 يناير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

تمضي عشرون عاما على اتفاقية سلام الشامل (اتفاقية نيفشا) التي أبرمت بين حكومة السودان، بقيادة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والحركة الشعبية في جنوب السودان، بقيادة الراحل د. جون قرنق، لتوقف أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا. فقد نصت الاتفاقية على إعطاء حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان، وهو ما حدث بالفعل بعد مقتل القائد قرنق في حادثة مروحية، في 30 من يوليو/ حزيران عام 2005، حيث أجريت عملية استفتاء عام 2011، وصوت فيها الجنوبيون للانفصال بنسبة  98٪. 

في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، وبعد أن استعاد الجيش السوداني مدينة مدني بالجزيرة من يد قوات الدعم السريع، انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تظهر قيام أفراد ينتمون إلى القوات المتحاربة مع الجيش السوداني بعملية تصفية بحق المدنيين الذي يعيشون في منطقة الكنابي جنوبي الجزيرة. 

كان من بين هؤلاء المدنيين مواطنين من دولة جنوب السودان، ما جعل الناشطين والإعلامين في جنوب السودان يطالبون بالعدالة لمواطنيهم الذين تم رميهم بالرصاص، بحجة أنهم متعاونين مع قوات الدعم السريع. وبلغ إجمالي القتلى من جنوب السودان، 29 ضحية في ولاية الجزيرة بعد دخول الجيش إليها، حسب إفادة الصحفي والمحلل الجنوب سوداني سايمون أتيم.

تداعيات حرب السودان

في صباح 15 يناير/ كانون الثاني، تم استدعاء السفير السوداني عصام محمد حسن، من قبل وزارة الخارجية بجنوب السودان على خلفية ما حدث، وطالبت حكومة بورتسودان بضرورة حماية مواطنيها في السودان. وقالت وزارة الخارجية الجنوب سودانية في بيان لها إنها تلقت تقريرًا شاملاً من سفارتها في بورتسودان، يوضح الأحداث المؤسفة التي أسفرت عن فقدان أرواح مواطني جنوب السودان الأبرياء، الذين لا يشاركون في المعارك، ويحملون جنسية أجنبية. وأكد بيان الخارجية "أن سلامة ورفاهية مواطنينا في السودان تشكل أهمية قصوى لحكومة جنوب السودان. نحن ملتزمون تمامًا بهذه المسألة، وسنبذل كل الجهود الدبلوماسية والقنصلية اللازمة لحماية مواطنينا". 

تزايدت وثيرة الأحداث على مواقع التواصل الاجتماعي، وانحرفت دعوات الإدانة، واتخذت مجرى آخر غايته الانتقام، وأخذ الثأر لما حدث في مدني، لتشهد المدينة بعدها حالة من الشغب من قبل بعض الأفراد الذين تم وصفهم بـالمنفلتين. في تلك الأثناء قام مكتب الرئيس سلفا كير بنشر بيان له على صفحته بالفايسبوك يطالب فيه بضبط النفس، وعدم إلحاق الأذى بالسودانيين الموجودين في جوبا، إلا أن أعمال العنف استمرت، ما فرض تدخل الشرطة في جنوب السودان لتفريقها باستخدام الغاز المسيل للدموع، وحتى الاعتقالات أحيانا. 

سرعان ما تحول الأحداث مع صباح اليوم التالي إلى مدن: "أويل" و"واو" و"بور" وفقا للمصادر الشرطة هناك، فإن 16 سودانيا قتلوا في الأحداث الأخيرة بالمدينة، احتجاجاً على مقتل مواطنين جنوب سودانيين بمدني.

 يصرح ناشط حقوقي سوداني مقيم في جوبا لجيسكا قائلا: "إن هناك العشرات من الجرحى لم يتم حصرهم، وهم السودانيين الذين كانوا يعيشون في ضواحي العاصمة جوبا. وقد تم نقل الأسر السودانية من أحياء مثل: جبرونا ومنقيتان و107 إلى مراكز الشرطة والقيادة العامة، ووعدت حكومة بورتسودان بإجلاء الأسر السودانية التي ترغب بالعودة إلى السودان". 

اعتراف ووعود بلجنة تحقيق 

اعترفت حكومة بورتسودان من جانبها بما حدثت في مدني، ووصفتها بالتصرفات الفردية، وقالت إنها بصدد تشكيل لجنة تحقيق بخصوص ما حدث من انتهاكات تجاه المدنيين العزل بمدني. من جهتها، طالبت جوبا بتكوين لجنة تحقيق مشتركة بين الدولتين لضمانة نزاهة نتائج التحقيق. في هذا الصدد يعلق سايمون بقوله: "إنه لم يرد في حيثيات تشكيل اللجنة أي شيء عن الضحايا الجنوب سودانيين، بل أشارت إلى حادثة كنابي بشكل عام ومفتوح. ما يجعلنا نشكك في نزاهة اللجنة، وأيضا لم تدرج اللجنة كتائب البراء والجهات المتعاونة مع الجيش في الفئات المستهدفة في التحقيق. كما لم تدرج المطلب الأساسي لحكومة جنوب السودان، والذي يطالب بأن تكون الأمم المتحدة جزء من اللجنة في عملية التحقيق". 

وفي سياق متصل، صرح الفريق ياسر العطا بأن ما تبقى من قوات الدعم السريع 65٪ منهم ينتمون لجنوب السودان. خرج هذا التصريح في توقيت حساس بالنسبة بورتسودان وجوبا بسبب ما حدث في كنابي، فقد نشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبل سودانيين، تفيد وجود مرتزقة جنوب سودانيين في صفوف الدعم السريع، ليقوم ناشطون من جنوب السودان كذلك بنشر صور تفيد وجود مرتزقة جنوب سودانيين في صفوف الجيش السوداني، وهم المليشيات الجنوب سودانية التي يحتضنها السودان قبل الحرب، وحتى الآن لم ترد جوبا على تصريحات عطا بشكل رسمي. 

تهديد بحجب وسائل التواصل الاجتماعي

أمرت الحكومة في جوبا، في22  يناير/ كانون الثاني الجاري، بحجب وسائل التواصل الاجتماعي، وبالأخص الفايسبوك والتيك توك، وقالت في بيان لها نشر عبر الهيئة الوطنية للاتصالات بأن القرار يأتي نتيجة الاضطرابات الأخيرة في السودان، التي عرضت سكان جنوب السودان لمستويات غير مسبوقة من العنف الشديد عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وأضاف البيان في ختامه بأن المحتويات التي تم نشرها تنتهك القوانين المحلية بالبلد، وتمثل تهديدا للسلامة العامة والصحة النفسية لمواطنيها. لكن ناشطين ومحامين من جنوب السودان اعترضوا على هذا القرار، واعتبروه تقييدا لحرية المواطن الجنوبي من تلقي المعلومات، وانتهاكا لحقوقه. 

تراجعت الهيئة الوطنية للاتصالات عن القرار الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ منذ الأربعاء الماضي، وكان مرتقبا أن يستمر لمدة تتراوح ما بين 30 يوما و90 يوما كحد أقصى. تراجعت الهيئة عن القرار أعقبه تأكيد على مباشرة عملية التنسيق مع إدارة الفايسبوك لحذف الحسابات والفيديوهات التي أججت الأحداث في الفترة الأخيرة. 

جوبا تطالب بالتحقيق 

طالب وزير خارجية جنوب السودان، رمضان عبد الله، خلال كلمة له في اجتماع بمدينة نيويورك بضرورة فتح لجان تحقيق بمشاركة الأمم المتحدة، بشأن عمليات القتل التي لاحقت مواطني جنوب السودان بمدني، وقال بأن الجيش السودانية والكتائب المتحاربة معه يمارسون أعمالا إرهابية ضد المدنيين العزل. 

استنكر حكومة بورتسودان تصريح الوزير عبدالله، وصرحت عبر وزارة الخارجية بأن مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل يعتبر خرقا للأعراف الدولية، وقالت بأنها فتحت لجان تحقيق بشأن أحداث جوبا، غير أن اعتداءات جسيمة لحقت مواطنيها في دولة جنوب السودان. وأضافت بأن تلك الاعتداءات كانت "بتحريض من قيادات جنوبية رسمية، ولم تسلم منها حتى السفارة السودانية في العاصمة جوبا وأعضاؤها، الأمر الذي يعتبر خرقاً خطيراً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقوانين والأعراف الدولية كافة". 

يهدد تصاعد حدة التوتر بين البلدين العلاقات بين الدولتين والشعبين، خاصة وأن السودان تحتضن أعدادا مرتفعة من اللاجئين الجنوب سودانيين الذين فر معظمهم من الصراع، بسبب الحرب الأهلية في البلاد (2016-2013)، فأحد تقارير المفوضية السامية للاجئين يفيد بأن اللاجئين الجنوب سودانيين يمثلون نسبة 70٪ من إجمالي اللاجئين الموجودين في السودان. في المقابل، أصبحت جنوب السودان تحتضن أعدادا من اللاجئين السودانيين الذين ما زالوا يتدفقون على الحدود الجنوبية، بسبب الحرب في البلاد، فبحسب المفوضية دائما يستضيف جنوب السودان أكثر من 460 ألف لاجئ ومعظمهم من السودان. 

واصل البلدان تعاملاتها بعد الانفصال في العديد من الجوانب، خاصة الاقتصادية حيث فقدت السودان أحد مواردها الخامة؛ البترول الذي ظل جنوب السودان يصدره عبر السودان، عن طريق خط أنابيب تصل إلى مصفاة جيلي. بعد اندلاع الحرب في السودان، في 15 من أبريل/نسيان 2023، أجرت جوبا محادثات عدة مع الحكومة السودانية لضمان عملية استمرار تدفق البترول إلى السودان، وتصديره عبر ميناء بورتسودان. وقد كانت آخر تلك المحادثات أثناء زيارة القائد العامة للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان لجوبا في سبتمبر/ أيلول الماضي.

كل ما سبق يحتم على البلدين السعي، وعلى وجه الاستعجال، إلى إطفاء شرارة الأزمة المتوقدة حاليا، فكلا الطرفين ليس في مصلحتها الدفع بالأوضاع نحو مزيد من التأزيم، لما يترتب عن ذلك من تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية يصعب تطويقها مستقبلا.