الأربعاء 19 فبراير 2025
تُعد رواية "أحوال عصيبة"، لمؤلفتها تسيتسي دانجاريمبجا، والتي تتحدث عن نشأة المؤلفة في زيمبابوي في عهد الاستعمار، واحدة من أهم أعمال الأدب الأفريقي في القرن العشرين، صدرت عام 1988 في لندن كأول عمل روائي لمؤلفة زيمبابوية سوداء يصدر بالإنجليزية، ونالت جائزة أفضل عمل من "جائزة كتاب الكومنولث- قسم أفريقيا" في العام التالي (1989).
تمت برمجتها في المناهج الجامعية في المملكة المتحدة، ويمكن للطلاب البريطانيين طلب نسخة مستعملة منها بأقل من 3 جنيهات إسترليني. لكن ثمة مكان يجد فيه القراء صعوبة بالغة في الحصول عليها؛ مدينة هراري عاصمة زيمبابوي وموطن دانجاريمبجا، رغم نشر الرواية في نسخة بغلاف ورقي في جنوب أفريقيا على حدود زيمبابوي، يبقى "من الصعوبة بمكان أن تجد أيًا من كتبي في أي مكان في زيمبابوي" كما تقول دانجاريمبجا.
إن الأدب الأفريقي أخذ في الازدهار، ويستمر نمو تأثيره على مشهد الأدب العالمي. عام 2021 حصد كتاب أفارقة جوائز مرموقة، مثل: نوبل للأدب وجائزة البوكر وجائزة كاموس للأدب؛ وهي أرفع الجوائز الأدبية في العالم الناطق بالبرتغالية. وقد وصفت صحيفة نيويورك تايمز عام 2021 بأنه "عام الأدب الأفريقي".
يشهد هذا العام إطلاق النيجيرية شيماماندا نجوزي أديشي أولى روايتها، بعد توقف دام عشرة أعوام (يرتقب نشر روايتها "Dream Count" في مارس/آذار المقبل - حسب موقعها-، وتدور حول كاتبة نيجيرية مسافرة للولايات المتحدة وقت تفشي جائحة كوفيد 19، تتذكر خلال إقامتها قصص حبها الماضية وخياراتها وفرصها الضائعة)1؛ مما يعد حدثًا مُترقبًا بقوة؛ فيما واصل مزيد من المؤلفين من أرجاء القارة نيل التقدير في أوروبا وأمريكا، من الكاتب الزامبي موبانجا كاليماموكوينتو إلى النيجري داميلير كوكو وغيرهما.
غير أن أغلب الأفارقة لا يزالون يواجهون معاناة في الحصول على نسخة من الأعمال الجديد، أو حتى كلاسيكيات كتاب مثل دانجاريمبجا. كما لا يملك إلا عدد قليل من الدول الأفريقية صناعات نشر تنتج الكتب محليًا. وتفتقر العديد من الدول لنظم المكتبات العامة التي لا يقتصر دورها على إعارة الكتب للقراء، بل يتضمن دورها دعم نمو الناشرين المستقلين عبر شراء نسخ من أعمالهم الجديدة، حسبما تؤكد أينيهي إدورو، مؤسسة "Brittle Paper"، وهي منصة أونلاين عن الأدب الأفريقي.
في جنوب أفريقيا لا توجد كتب في نحو 43٪ من المنازل، ولا يوجد إلا في 16٪ من إجمالي منازل الجنوب أفارقة أكثر من خمسة كتب، بينما يتشارك حتى 12 تلميذًا كتابًا مدرسيًا واحدًا في الكاميرون على سبيل المثال. وفي إثيوبيا يمثل الوصول إلى كتاب جيد يستحق القراءة صعوبة بالغة، حسب داويت بيرهانو، الذي يدير ناديًا للكتاب أونلاين، يطلق عليه منتدى الكتاب الأثيوبي. وكل أسبوع لا يمكن لنحو 60 عضوًا في النادي العثور على نسخة من الكتاب الذي تتم مناقشته، لكنهم يمضون في المشاركة بأية حال للتمتع بتبادل الأفكار.
تقول إدورو أنه: "ليس هناك نقص في هواية القراءة في القارة الأفريقية، بل إن الأخيرة تكتظ بكتاب وأفراد يريدون «قص الحكايات»، لكن سوق الأدب على طرف النقيض إذ لا يزال بحاجة للتطوير، لعدم توفره على محررين ووكلاء ومروجون، يمكنهم تلبية حاجات السياقات المحلية".
في أغلب الدول الأفريقية يستورد بائعو الكتب مدخلات منتجهم؛ وتصبح هذه العملية مكلفة للغاية، بسبب ضعف عملات الدول الأفريقية. كما تفرض بعض الدول، مثل كينيا، ضرائب على الكتب، مما يدفع أسعار الكتب لأعلى باستمرار.
وقد وصلت رواية "The Shadow King" لمؤلفتها الإثيوبية ماسا مينغستي، والتي تتحدث عن النساء المقاومات لاحتلال إيطالي الفاشية لإثيوبيا، في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر عام 2020. وتكلف النسخة منها في المملكة المتحدة 9 جنيهات إسترليني، فيما يبلغ سعر النسخة في أحد متاجر الكتب القليلة في أديس أبابا نحو ثلاثة آلاف بر (Birr) إثيوبي (حوالي 19 جنيه إسترليني). وحتى نضع هذه المقارنة في سياقها السليم، فإن المحاضر الجامعي في إثيوبيا يتحصل على راتب شهري قدره 11500 بر (72 جنيهًا استرلينيًا) في المتوسط.
تقول تيناشي موشاكافانو، وهي أكاديمية زيمبابوية في جامعة أوكسفورد إن: "التكلفة هي العائق الرئيس أمام وصول الكتب (للقراء الأفارقة)، الناس ستفضل شراء الخبز عن الكتب، وتلك هي الحقيقة المؤلمة".
وترى إدورو أن الحل يكمن في تطوير "أسواق نشر محلية وعضوية"، وأنه بمجرد تحقق ذلك ستتنقل الكتب وتتدفق بطرق يسيرة، وتذكر إدورو بلدها نيجيريا مثالا، حيث نمت في العقدين السابقين العديد من دور النشر الجديدة بشكل ملفت. ولم يقتصر عمل تلك الدور على دعم ظهور كتاب نيجيريين جدد، بل قامت بشراء حقوق نشر أفضل الكتب مبيعًا في العالم، وطباعتها في نسخ نيجيرية، مما يعني إتاحتها وتوفيرها للقارئ النيجيري.
يقول أوثوك أومينيابوس، مؤسس "Masobe Books" وهي إحدى دور النشر المستقلة في نيجيريا، أنه "لوقت طويل لم يحصل النيجيريون على أغلب الكتب التي كانوا يريدون قراءتها. والآن يمكنهم الوصول لأغلب العناوين الأفريقية". وقد وقعت المؤسسة عقودًا للنشر مع أكثر من مائة كاتب وباعت أكثر من مائة ألف نسخة. ويكمن نجاحها في إقامتها علاقات مع منافذ بيع كتب مستوفية كل المتطلبات، وإثارة جدل حول الكتب في وسائل التواصل الاجتماعي، وتصميمات أغلفة طازجة، وكتابة رائعة تتوفر بأسعار واقعية.
يقول أومينيابوس: "عندما بدأنا ثارت ضجة (محمودة) بين الجميع بسبب الأغلفة؛ إذ كانت جديدة ومتجددة، وجريئة. كما كانت القصص داخل دفات تلك الأغلفة ملفتة للغاية. ولم تكن عن الناس في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، بل كانت قصصًا عن ناس يعيشون في نيجيريا، ويعملون في نيجيريا، ويأكلون الطعام النيجيري؛ أي كانت قصصًا حاضرة أمامهم".
في أماكن أخرى، يتمكن الكتاب من التوصل لسبل للإبداع، ويمثل التمويل الجماعي التشاركي وسيلة نافعة للنشر الذاتي. وفي زيمبابوي يستخدم العديد من الكتاب مجموعات الواتساب لكتابة كتبهم وتوزيعها، وإصدار فصول للنشر المجاني، وفرض رسوم ضئيلة للغاية لمواصلة القراءة. في إثيوبيا، أطلق مطوران تكنولوجيان منصة توبا Tuba لإصدار الكتب الإلكترونية والصوتية، حيث يمكن من خلالها تحميل تطبيق بتكلفة بسيطة للغاية، حتى قياسًا لسعر نسخة واحدة من الكتاب الورقي. يقول الشاب داجناتشو تيسفاي، أحد مؤسسي توبا، أن عملها "يتسع أكثر وأكثر، ورغم أنها لا تزال في بداياتها فإننا نأمل في بيع مئات الالاف من الكتب".
أطلقت منصة تعليم رقمي كينية، وهي "eKitabu"، ذراعًا للنشر، متمثلًا في دار مفوا برس "Mvua Press" عام 2024. ونشرت حتى الآن عشرة كتب، ودخلت في شراكة مع باعة المطبوعات في الشوارع لتوزيع تلك الكتب، ومواصلة خفض التكاليف بطباعة كتبها. كما تدير دار النشر تلك ما تطلق عليه "مقهى الكتاب" في نيروبي، لمساعدة الكتاب الجدد في تحويل الأفكار الأولية إلى مخطوطات، يمكن تسليمها للنشر.
تقول ميرسي كيروي، مدير النشر في مفوا برس، أنهم موقنون "بأنه ثمة سوق للكتب في أفريقيا إن تمكنوا من تحقيق وصول أكبر وأرخص للقراء... نريد أن نرى كتابًا يكتبه مؤلف أفريقي ذائعًا في أفريقيا قبل أن يتصدر لائحة أفضل الكتب مبيعًا في العالم".
مُترجم بتصرف عن هذا المصدر