تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 16 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

أفريقيا الوسطى: هل تنهي الانتخابات المقبلة الركود الديمقراطي؟

27 سبتمبر, 2025
الصورة
أفريقيا الوسطى: هل تنهي الانتخابات المقبلة الركود الديمقراطي؟
Share

تثير الانتخابات المقرر إجراؤها بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل في جمهورية أفريقيا الوسطى انقساماً وطنياً لدى الأوساط المؤيدة والمعارضة يعود إلى عام 2023؛ حيث جرت تعديلات دستورية، أفضت إلى زيادة مدة الولاية الرئاسية من 5 إلى 7 أعوام، وإلغاء الحد الأقصى للولايات، وتمكين الرئيس الحالي من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. مع إعلان الرئيس فوستين-أرشانج تواديرا في 26 يوليو/ تموز الماضي ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة، ظهر انقسام بين الجمعيات المؤيدة للحكومة والمعارضة. فبينما تناصر الجهات المؤيدة ترشح الرئيس، واعتبارها نابعاً من الدستور، مثل ما روج إليه "ائتلاف تواديرا 2025" في 10 يناير/ كانون الثاني 2025، وأكدت عليه منصة "E LE SONGO" في 16 أغسطس/آب 2025، تستنكر أحزاب المعارضة الترشح وتشكك باستمرار في العملية الانتخابية، وهو ما يعبر عنه باستمرار حزب "BRDC" على لسان المتحدث الرسمي للحزب مارتن زيغيلي باعتبار ترشح الرئيس تسييسًا للحياة السياسية قائماً على أسس غير قانونية، ويتعارض مع المادة 35 من دستور عام 2016.

في ضوء ذلك، يمكن فهم السيناريوهات التشاؤمية حول آفاق الانتقال إجراء الانتخابات؛ فالانتخابات وعملياتها التحضيرية تكشف عن استمرار حالة الجمود والتغير المحدود باعتباره طابعاً غالباً على العمليات الانتخابية في جمهورية أفريقيا الوسطى، برهنت عليه العمليات الانتخابية منذ الاستقلال عام 1960، بما في ذلك التي جرت في أعوام 1993 و2005 و2015 و2020، إذ لم تنه تلك العمليات الانتخابية حالة انعدام الأمن، والتأزم الإنساني ونشاط الجماعات المسلحة والجهادية. كما لم يغب عنها محاولات التلاعب بالنصوص الدستورية والقانونية لإلغاء قيود فترات الرئاسة، وتقويض استقلال القضاء والمحكمة الدستورية، وإقصاء وتهميش المعارضة والسيطرة على المؤسسات الانتخابية وتقييد وغلق الفضاء المدني.

لفهم أسباب وعوامل الانتقال الغائب والتغير المحدود المتوقع من انتخابات جمهورية أفريقيا الوسطى، يمكن الإشارة إلى عدد من العوامل والتحديات كما يلي:

  1. التلاعب بقانون الانتخابات

شهدت أفريقيا الوسطى درجة من التلاعب والمساس بقانون الانتخابات، بدأت مع تصويت الجمعية الوطنية في مايو/ أيار 2025 على قانون يسمح بإلغاء وتعليق الأحكام القانونية للمادة 18 من قانون الانتخابات التي كانت تلزم الهيئة الانتخابية باستكمال مراجعة القوائم الانتخابية قبل عام من أي انتخابات. وبلغت ذروتها مع اقتراح وزارة الإدارة المحلية في 19 أغسطس/آب 2025 رسميًا على الهيئة الوطنية للانتخابات سلسلة من المقترحات تهدف إلى تعديل حوالي 15 مادة من قانون الانتخابات.

الانتخابات وعملياتها التحضيرية تكشف عن استمرار حالة الجمود والتغير المحدود باعتباره طابعاً غالباً على العمليات الانتخابية في جمهورية أفريقيا الوسطى

شملت هذه المواد (28، 41، 42، 58، 59، 60، 66، 68، 69، 94، 121، 177، 179، 206، 265، و266)، وهي مواد - حال تعديلها تؤثر على إجراءات التصويت، والمواعيد النهائية لتقديم الترشيحات ومعالجتها، وعدد مراكز الاقتراع، ودور المحكمة الإدارية، وقواعد التكافؤ، واللافت أن تلك التعديلات سواء التي تمت أو قيد الاقتراح تأتي محاولة لإعادة تمكين الهيئة الانتخابية من معالجة تأخيراتها وتحدياتها الفنية؛ فتعليق المادة 18 جاء بعد عدم تمكن الهيئة الوطنية للانتخابات من إعداد سجل انتخابي موثوق قبل عام على الأقل من انعقاد الهيئة الانتخابية، وتسلط الأخرى على استمرار التحديات الفنية للهيئة الانتخابية.

  1. غياب الثقة بالهيئة الانتخابية

تنتشر في جمهورية أفريقيا الوسطى تصريحات الانتقاد والتشكيك بعدم نزاهة وعدم كفاءة الهيئة الوطنية للانتخابات في الجمهورية حد المطالبة بإلغائها؛ فوفقاً للمعارضة، لم تنشر الهيئة قوائمها الأولية علناً بعد أحد عشر شهرًا من إطلاق المراجعة الانتخابية في سبتمبر/ أيلول 2024.

كما أنها عمدت إلى إلغاء وتعليق المادة 18 من قانون الانتخابات، واضطرت إلى تأجيل متكرر للانتخابات المحلية لأكثر من مرة، ورغم أنها كانت مقررة في أغسطس/آب 2025، فإنها قررت دمجها مع الانتخابات التشريعية والرئاسية في ديسمبر 2025، ولم تقتصر الانتقادات على أحزاب المعارضة، بل امتدت إلى مدير الانتخابات في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى؛ حيث أوضح أرسين غباغيدي- مدير الانتخابات في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى - في تسجيل صوتي - في 7 يوليو/ تموز معاناة الهيئة الانتخابية في جمهورية أفريقيا الوسطى من اختلالات خطيرة ومشاكل فساد تُضعف قدرتها على تنظيم انتخابات نزيهة.

  1. عمليات التسجيل معيبة

أجرت الهيئة الوطنية عمليات تسجيل الناخبين في جمهورية أفريقيا الوسطى، انتهت إلى إنشاء سجل انتخابي موحد يضم 2.397.977 ناخباً صالحاً، منهم 1.634.111 ناخباً مسجلاً عام 2020، بالإضافة إلى 757866 ناخباً جديداً مسجلاً خلال عام 2025، وحول عمليات التسجيل، سادت انتقادات وتحفظات من بعثات المراقبة؛ ففي أبريل/نيسان 2025.

حاول أنيسيت جورج دولوغيلي فك قيود النص الدستوري عبر تخليه عن جنسيته الفرنسية طواعية، ليظهر عزمه وتصميمه على على عدم الاستسلام للمناورات المؤسسية

أكد جوزيف بندومي، بعثة مراقبة الانتخابات (MOE-RAC) أن المرحلة الثانية من تسجيل الناخبين جرت خارج الإطار القانوني المنصوص عليه في المرسوم رقم 24-230 المؤرخ 12 سبتمبر/أيلول 2024، والذي نص على إغلاق باب إعداد القوائم الانتخابية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، واستنكر إنشاء خمسة مراكز تسجيل إضافية في فرنسا، دون وجود أساس قانوني، ونوه إلى اشتمال المرحلة الأولى من تسجيل الناخبين على تأخيرات في نشر المعدات ووكلاء الانتخابات، وصرف الأموال المخصصة للعمليات، وعلاوة على ذلك، راجت تصريحات تنتقد مزج القائمة الانتخابية المعروضة في دائرة أوركيديه في مايو/آيار 2025 بين أسماءٍ وصور، شملت أسماء مأخوذة من مُولّد أسماء مستعارة عشوائي، لا علاقة لها بهويات بشرية موثوقة، وتتضمن إشارات إلى مشاهير عالمي، وكأن الهدف هو ملء القائمة بأي ثمن.

  1. إقصاء واستبعاد ترشيح مزدوجي الجنسية

أقرت التعديلات الدستورية التي أجريت في أغسطس/آب 2023 نصوص وقيود تحول دون ترشيح مزدوجي الجنسية في جمهورية أفريقيا الوسطى؛ فهي تنص على أن يكون أي مرشح للرئاسة من أصول أفريقية وسطى، أي مولودًا لأب وأم من أصول أفريقية وسطى، ويحملان جنسية واحدة فقط، وهو أمر اعتبرته المعارضة نصاً مصمماً لاستبعاد المرشحين المحتملين ذوي النفوذ وعلى رأسهم كلاً من: كريبين مبولي غومبا، وأنيسيت جورج دولوغيلي.

تجدر الإشارة إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2025، حاول أنيسيت جورج دولوغيلي فك قيود النص الدستوري عبر تخليه عن جنسيته الفرنسية طواعية، ليظهر عزمه وتصميمه على على عدم الاستسلام للمناورات المؤسسية.

  1. تذبذب صفوف المعارضة

تخلل صفوف المعارضة في جمهورية أفريقيا الوسطى حالة من الانقسام والخلافات المحتملة بين أطرافها، تأتي في ظل اعتزام بعض أحزاب المعارضة على المشاركة في التنافس الانتخابي، وعبر عن ذلك الاتجاه أنيسيت جورج دولوغيلي؛ حيث تخلى عن جنسيته الفرنسية عملاً بقواعد الدستور الجديد – قيد الرفض والاعتراض من قبل أحزاب المعارضة- رغم أنه على الجانب الأخرى، تعتزم أحزاب معارضة أخرى بقيادة حزب BRDC مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة، مادام لم يتحقق الحوار السياسي الشامل مع السلطة التنفيذية ورئيسها، لمناقشة الخلافات حول الدستور الجديد وإصلاح المجلس الدستوري والمؤسسات الانتخابية واستبعاد مزدوجي الجنسية.

يبدو أن الأحزاب التي ترغب في المشاركة في الانتخابات وفق القواعد المقررة سوف تقابل باعتراض واستكار من الأحزاب الرافضة، بدعوى أن المشاركة في الانتخابات تعزز من شرعية الانتخابات وأسسها، كما أن تلك المشاركة سوف تضعف موقف الأحزاب المعارضة من انتقاد دستور عام .2023

  1. غياب الحوار السياسي

تشترط أحزاب المعارضة الحوار السياسي الشامل كمدخل للمشاركة في الانتخابات المقبلة، واستجابة لذلك، وبعد مرور عامين من مطالبات الحوار، اجتمعت السلطة الحاكمة بقيادة رئيس الوزراء، "فيليكس مولوا" مع أحزاب المعارضة داخل حزب "BRDC"، إلا أن حيثيات الاجتماع الذي تم في 2 سبتمبر/أيلول 2025 كشف عن استمرار تحديات الحوار وخلافات، وخلاله، وصف المتحدث باسم الحكومة، ماكسيم بالالو مطالب الحزب "BRDC" وشروطه للحوار بـ "الهراء السياسي"، ورفض المطالب الثلاثة ذات الصلة بمراجعة بعض الأحكام الدستورية، وتعزيز السلطة الوطنية للانتخابات، وتأمين العملية الانتخابية.

تحمل الانتخابات المقرر إجراؤها في جمهورية أفريقيا الوسطى آفاقاً محدودة وضعيفة على الانتقال والتغيير أو الانفتاح الديمقراطي، فهي غير قادرة على تحريك المياه الراكدة، وتمثل مدخلا جديداً لاستمرار سيطرة النظام الحاكم وبقائه على السلطة، بل هناك قراءات تستبعد إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، والبعض الأخر يشكك في نزاهتها، إلا أنهم يتفقان – في كافة الأحوال– على استمرار وسيطرة النظام الحاكم على السلطة، وهي سيناريوهات تنذر – حالة تحققها – بدخول جمهورية أفريقيا الوسطى حالة من عدم اليقين المستقبلي بشأن أمنها وسلامها واستقرارها، ومدى قدراتها على إرساء السلام، وتنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار مع الجماعات المسلحة.