الاثنين 28 أبريل 2025
وفقًا لتقرير للبروفيل الأفريقي الصادر عن أفروباروميتر في 31 يناير/ كانون الثاني 2025، فإن غالبية الأفارقة يؤيدون التعايش بين مختلف المجموعات العرقية، رغم أن الثقة بين الأعراق لا تزال ضعيفة. يستند هذا التقرير إلى استطلاعات رأي أجريت في 33 دولة بين عامي 2021 و2023، تسلط الضوء على تصورات المواطنين الأفارقة ومواقفهم تجاه التنوع العرقي والهوية الوطنية.
من أهم القضايا التي يبرزها التقرير تأثير الهوية العرقية في أفريقيا، التي تتعدى كونها مجرد انتماء شخصي، لتؤدي دورا محوريا في الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. غالبًا ما يُعتبر الانتماء العرقي تهديدًا للوحدة والاستقرار، لكنه يمكن أن يعزز أيضًا شعورًا بالفخر الثقافي والانتماء في ظل تنوع المجتمعات الأفريقية وترابطها.
تظهر بيانات "أفروباروميتر" أن معظم الأفارقة يفضلون هويتهم الوطنية على العرقية، مع وجود تراجع طفيف لهذه الأفضلية لصالح الهوية العرقية في العقد الأخير. في الوقت نفسه، تكشف البيانات عن تناقضات، حيث توجد مستويات منخفضة من الثقة بين الأعراق المختلفة، بينما يظهر أيضًا انفتاح على التعايش والتكامل. يشير ذلك إلى أن التنوع العرقي في أفريقيا يمثل تحديًا وفرصة في آن واحد لتحقيق الوحدة والشمول الاجتماعي.
تشير البيانات إلى أن حوالي 90٪ من الأفارقة المستطلعين ليس لديهم أي اعتراض على العيش بجوار أشخاص من عرق مختلف، و89٪ من المستطلعين منفتحون على الزواج بين الأعراق داخل أسرهم. ومع ذلك، فإن 21٪ فقط يعبرون عن "ثقة كبيرة" تجاه أفراد من أعراق أخرى، بينما يمنحهم 36٪ ثقة جزئية.
يمكن أن تعود أسباب هذا التوجس إلى عدة عوامل، مثل تاريخ النزاعات العرقية، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية بين المجموعات، بالإضافة إلى غياب السياسات العامة الفعالة لتعزيز الاندماج الاجتماعي. كما تلعب وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي دورًا في تضخيم التوترات، أو نشر الخطابات المتطرفة.
تظهر بيانات 'أفروباروميتر' أن معظم الأفارقة يفضلون هويتهم الوطنية على العرقية، مع وجود تراجع طفيف لهذه الأفضلية لصالح الهوية العرقية في العقد الأخير
ولا شك أن القارة الأفريقية تزخر بثروات بشرية ومادية هائلة، لكنها في الوقت ذاته تعاني من تفشي الحروب والنزاعات المسلحة، حتى بات البعض يصفها بالقارة التي لا يهدأ فيها صوت الرصاص. تعود هذه النزاعات إلى عوامل متعددة، تشمل الأسباب التاريخية والسياسية، الداخلية منها والخارجية، فضلًا عن الأبعاد الدينية والإثنية، إضافة إلى تأثير الموارد الطبيعية والتغير المناخي.
ومما يزيد الوضع تعقيدًا غياب رؤية موحدة وفعالة لعمليات بناء السلام أو استعادته، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية، وتواجه الجهود المبذولة تحديات عدة، أبرزها ضعف الاحترافية لدى الجهات المسؤولة، سواء من العسكريين أو الخبراء المدنيين، إلى جانب محدودية الموارد المتاحة. ويزداد المشهد تعقيدًا مع صعوبة إيجاد حلول سياسية مستدامة، نظرًا لتعدد الأطراف المتدخلة، وتغير طبيعة النزاعات والفاعلين فيها، مما يجعل تطبيق مبدأ "حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية" أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.
عند الحديث عن الهوية، أفاد 41٪ من الأفارقة بأنهم يشعرون بانتماء أكبر إلى هويتهم الوطنية مقارنة بهويتهم العرقية، بينما يرى 45٪ أن كلا الهويتين متساويتان من حيث الأهمية. في المقابل، فإن 14٪ فقط يعطون الأولوية لهويتهم العرقية. وتبرز بعض الدول في هذا السياق: ففي موريتانيا، يشعر 92٪ من المواطنين بالانتماء أولاً إلى هويتهم الوطنية، يليهم 79٪ في غينيا و69٪ في الكونغو-برازافيل.
كشف التقرير عن زيادة الشعور بالتمييز العرقي، إذ يعتقد 41٪ من الأفارقة أن أفراد مجموعتهم العرقية يتعرضون لمعاملة غير عادلة من قبل حكوماتهم
ومع ذلك، تشير الاتجاهات الحديثة إلى تراجع الشعور بالهوية الوطنية. فمنذ عام 2011، انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم أولًا كمواطنين وطنيين بمقدار 12 نقطة مئوية، بينما زاد عدد الذين يعتبرون الهويتين متساويتين بمقدار 8 نقاط.
يمكن تفسير هذا التحول بعدة عوامل، من بينها ازدياد الوعي بالقضايا العرقية في سياق المطالبات بالحقوق، واستمرار التفاوتات العرقية في بعض المجتمعات، فضلًا عن تأثير الحركات السياسية التي تستغل البعد العرقي.
يواجه الوعي الهوياتي في أفريقيا إشكالات معقدة نابعة من التنوع الثقافي الهائل والتحديات التي فرضتها العولمة. يرى بعض الباحثين أن الهوية الأفريقية ليست معطى ثابتًا، بل تُصنع اجتماعيًا، وتتأثر بالتحولات السياسية والتاريخية، مما يجعل البحث فيها أحيانًا غير مجدٍ بسبب التعدد الهائل للثقافات داخل القارة.
يمكن أن تعود أسباب هذا التوجس إلى عدة عوامل، مثل تاريخ النزاعات العرقية، والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وغياب السياسات الفعالة لتعزيز الاندماج الاجتماعي
في المقابل، تعاني الشخصية الأفريقية من تشويه في الوعي العالمي، حيث تهيمن الصور النمطية السلبية التي تعزز من تهميشها في المشهد الثقافي والسياسي الدولي. ورغم الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والأمني، إلا أن البعد الثقافي لا يزال مهمشًا، مما يزيد من أزمة الهوية الأفريقية في ظل التأثير المتزايد للعولمة والتحديات المرتبطة بها، مثل: التطرف والاستبداد والقبلية المتجددة. يتطلب تعزيز الوعي الهوياتي في أفريقيا تبني رؤية ثقافية واضحة، تسهم في ترسيخ هوية أفريقية حضارية وفاعلة على المستويين المحلي والدولي.
كشف التقرير أيضًا عن زيادة الشعور بالتمييز العرقي، إذ يعتقد 41٪ من الأفارقة أن أفراد مجموعتهم العرقية يتعرضون أحيانًا أو غالبًا أو دائمًا لمعاملة غير عادلة من قبل حكوماتهم. وقد ارتفع هذا الشعور بمقدار 8 نقاط مئوية منذ عام 2016.
هذه الظاهرة تثير تساؤلات جوهرية حول الحوكمة والعدالة الاجتماعية في أفريقيا. فالمحسوبية العرقية في التعيينات العامة، وعدم تكافؤ الفرص في الخدمات العامة، والتفاوتات التنموية الإقليمية، جميعها عوامل تعزز الشعور بالظلم. علاوة على ذلك، تتجلى التوترات العرقية في بعض الدول من خلال النزاعات على الأراضي، أو القيود المفروضة على الوصول إلى الموارد الاقتصادية، أو أشكال التمييز الممنهج.
رغم أهمية التقرير في تسليط الضوء على قضايا الهوية والثقة بين الأعراق في أفريقيا، فإنه يثير عدة تساؤلات نقدية تتعلق بدقته وتمثيله للواقع. يعتمد التقرير على استطلاعات رأي، لكن يظل التساؤل قائمًا حول مدى مراعاة الفوارق الديموغرافية والاجتماعية في اختيار العينة، وما إذا كانت النتائج تعكس الواقع الفعلي في جميع البلدان الأفريقية. كما أن هناك تناقضًا بين التعايش المشترك وانخفاض مستوى الثقة بين الأعراق، مما يثير التساؤل حول ما إذا كان القبول السطحي هو ما يطغى على الاندماج الحقيقي، والأسباب التي تعوق بناء الثقة الفعلية.
تشير الاتجاهات الحديثة إلى تراجع الشعور بالهوية الوطنية، وهو ما قد يرتبط بازدياد الوعي بالقضايا العرقية في سياق المطالبات بالحقوق، أو باستغلال البعد العرقي سياسيًا
يطرح التقرير أيضا قضية تحولات الهوية الوطنية؛ فهل يعتبر التراجع في الشعور بالهوية الوطنية مؤشرًا على زيادة الوعي بالتنوع، أم أنه يعكس توترات اجتماعية وسياسية متزايدة؟ وفيما يتعلق بالتمييز العرقي، هل يعود ارتفاع الإحساس بالتمييز إلى سياسات غير عادلة أم إلى زيادة الوعي بالمظلومية العرقية؟ وكيف يمكن للحكومات معالجة هذا الشعور؟ وأخيرًا، يثير التقرير تساؤلات حول تأثير الإعلام والسياسات العامة، وهل تلعب وسائل الإعلام دورًا في تأجيج التوترات العرقية، وما هي الاستراتيجيات الحكومية الممكنة لتعزيز الثقة بين الأعراق والتقليل من التمييز؟
يعد أفروباروميتر شبكة بحثية أفريقية غير حزبية تقوم بجمع بيانات حول الديمقراطية والحوكمة ونوعية الحياة في القارة. ومنذ عام 1999، تم إجراء تسع جولات من الاستطلاعات شملت حتى 42 دولة. تُجرى هذه الاستطلاعات من خلال مقابلات مباشرة مع عينات تمثيلية، مما يضمن هوامش خطأ تتراوح بين +/-2 إلى +/-3 نقاط مئوية.
تُبرز نتائج أفروباريوميتر التحديات التي تواجه التماسك الاجتماعي في أفريقيا، لكنها تكشف أيضًا عن رغبة قوية في التعايش السلمي. وتعد هذه البيانات ضرورية لصناع القرار السياسي، ومنظمات المجتمع المدني، والباحثين الذين يسعون إلى فهم أعمق للديناميات الاجتماعية في القارة. كما تسلط الضوء على الحاجة إلى سياسات عامة طموحة تهدف إلى تعزيز الثقة بين الأعراق، وتبني سياسات شاملة، ومكافحة التمييز المتصور.