تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 28 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
حوارات

آدم يوسف: على أفريقيا إيجاد ديمقراطيتها من منطلقات موروثها المحلي

9 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

الدكتور آدم يوسف أكاديمي وأديب من جمهورية تشاد، نال شهاداته العلمية من جامعة أفريقيا العالمية، يعمل بالجامعة أستاذا وباحثا بمركز البحوث والدراسات الأفريقية بالخرطوم-السودان.

يعمل على مشروع الثقافة والفكر في أفريقيا، كما يتولى إدارة تحرير مجلة المصباح المحكمة –الدولية بدولة باكستان.

صدرت له قائمة من الأعمال الأدبية، من بينها رواية "أنجمينا مدينة لكل الناس"- أول رواية عربية بتشاد. كما له مؤلفات عديدة عن الشأن الإفريقي، من بينها: "ثقافة المجتمعات الإفريقية وأثرها على الديمقراطية".

وشغل مستشار تحرير لعدد من المجلة العلمية: "سرديات" و"الكاجا" بالسودان، و"رؤية أفريقية" بالعراق، و"العروبة" و"المنهل" بباكستان.

اختارته المجلة الأمريكية الدولية "AFROARAB USA" شخصية العدد في عددها الصادر في أبريل/ نيسان 2021. 

التقيته منصة جيسكا في هذا الحوار، لمناقشة بعض الأفكار الواردة في كتابه ثقافة المجتمعات الإفريقية وأثرها على الديمقراطية.

معتصم الشاعر: وُلدتْ فكرة كتابك "ثقافة المجتمعات الأفريقية وتأثيرها على الديمقراطية"، في أجواء مؤتمر تجربة الديمقراطية بالخرطوم عام 2019، والذي أقامته وزارة التعليم العالي بالسودان، حدثنا عن دور المؤسسات التعليمية الأفريقية في تعزيز الديمقراطية وتهيئة الشعوب والحكومات الأفريقية لقبولها؟

آدم يوسف: استهوتني فكرة الاهتمام بالثقافة منذ فترة مبكرة، فقد كنت في صغري مولعا بمشاهدة الأفلام الهندية والأمريكية والصينية والعربية (المصرية تحديدا)، وكثيراً ما كنت أتساءل –لماذا الأغاني في الأفلام الهندية فقط ؟ ولا نجدها في الأمريكية والصينية؟

من هنا بدأت أفكر في حياة الشعوب والناس، وتتشكل لديّ بعض المفاهيم، فأبحث في التفاصيل ووجدت قواسما مشتركة، مثلا استعمال الحناء عند النساء في الهند، وهذا غير مشاهد في الأفلام الأمريكية مثلا. وهكذا بدأت أكتشف وأكتشف، وأسأل سؤالا وراء سؤال؟ ولهذا تجدني أقرأ الواقع السياسي في الإطار الثقافي، أخذ الأمور من منظور ثقافي، فالسياسة عندي ثقافة، ولا يمكن أن تفصل الثقافة عن السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، وكلها مترابطة مع بعضها البعض، وحتى في المجال الرياضي، هناك نوع من الرياضة غير مقبول لدى بعض الشعوب، لأن ثقافته تؤثر في اختياره للألعاب، حتى في أفريقيا هناك قبائل لا تمارس لعبة المصارعة، ويعتبرون ذلك معيبا، معيب أن يتصارع اثنان في حلبة كنشاط رياضي، وهناك قبائل تنظر إلى السباق بين اثنين معيبا، فالتسابق لا يحلّ عندهم إلا بين الخيول (الحيوانات). والعكس، هناك قبائل تنظر لهذه الرياضات كثقافة وترويح وتعبير عن القوة والفروسية، وهذا دفعني لقراءة الأمور بأبعادها الثقافية – لذا تجد مصطلح (Literature) تشمل الدراسات الأدبية، بما فيها التاريخ وليس شرطا أن تكون رواية وقصة وشعر. 

الممارسة السياسية ثقافة، فاستخدام السلاح عند بعض القبائل والشعوب ثقافة، وفي الموروث الأفريقي تكثر الأغاني التي تمجد الشجاعة والفروسية والبطولات، وأيضا السلام ثقافة، قيمة ثقافية نتجت بعد حصيلة من التجارب والمعارف، فرض ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر، كلها ثقافة ينشأ عليها الطفل، ويحملها معه.

أفريقيا هي مجموعة شعوب لها عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الخاصة، كتبت قبل كتاب "ثقافة المجتمعات الأفريقية وتأثيرها على الديمقراطية"، كتابا بعنوان: "ثقافة العنف والقوة في أنظمة الحكم الأفريقية"، وناقشت فيه كيف يؤثر العنف وكيف يتوالد؟ ومن ثم يتأصل في المجتمع، فإذا لم تكن لديك أدوات السلام وآلياته فأنت في مواجهة أزمة.

معتصم: من خلال عملك الأكاديمي والبحثي، كيف تنظر إلى دور المؤسسات البحثية في صناعة القرار في القارة؟

آدام: في الحقيقة من دون تعميم، فالتعميم قد يخلّ بالاستنتاجات، ولكن معظم دول القارة لا ترجع في اتخاذ قراراتها للمراكز ولا الخبراء، فالدول التي تهتم بذلك هي دولة المؤسسات، والدول الأفريقية تفتقر لأدوات العمل المؤسسي نفسه، ولهذا نجد المهاترات بين القادة في ظل دول عدد الجنرالات بالآلاف في جيش محدود.

فالمراكز تفتقر إلى الدعم والاهتمام، أنظر إلى معظم دول القارة – كم نسبة ميزانية الدولة في التعليم – وقارنها بميزانية وزارة الدفاع، وعلى الرغم من الميزانية الكبيرة للدفاع نفسه تجد الجنود فقراء ولا يجدون ما يأكلونه، في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 3000 مركز وبعضها يفوق ميزانيتها السنوية 10 مليون دولار وأكثر. وكنت من قبل أحصيت مراكز الدراسات الأفريقية في إسرائيل وجدتها أكثر من 10 مركز أبحاث ودراسات مختصة في الشؤون الأفريقية، بما فيها مركز الأمومة والطفل الأفريقي، ولهذا استطاعت إسرائيل التأثير على القادة الأفارقة والسياسة الأفريقية، ومن هنا لا نستطيع المقارنة إلا أن هناك نقطة جوهرية، فهذه المراكز البحثية في القارة أدت دوراً مهماً وفاعلاً في بناء الوعي، والارتقاء بثقافة المجتمع، وسلط الضوء على قضية الحوار، وأصّلت فكرة المعرفة في كثير من الدوائر، مثلا فاجأني ذات مرة أحد أساتذتي في الأدب العربي بسؤاله: لماذا الدعوة للأفريقانية؟ واتضح لي أن مجرد العناوين المختصة بالدراسات الأفريقية هي السبب، فزرنا سويا مكتبة مركز البحوث والدراسات الأفريقية، وأصبح يزورها ويتعرف على المؤلفات والأبحاث، وهذه المعرفة أنتجت محاولة بيننا لكتاب عن ألعاب الصبية عند العرب والأفارقة (دراسة مقارنة) إلا أن الأجل لم يمهله.

ومن القصور أيضاً اختزال المراكز البحثية في مجال السياسة فقط، هناك مراكز علمية نجحت في ملف التراث والمخطوطات، وأخرى في الأدب والفكر، والمراكز في جنوب أفريقيا ومصر ونيجيريا والسنغال والسودان كانت أدوارها إيجابية. 

معتصم: وظيفة المثقف الطبيعية، كما يراها إدوارد سعيد في كتابه المثقف والسلطة، هي التمرد الفكري الذي يقود إلى كشف التناقضات الاجتماعية والسياسية، في رأيك هل تتعامل الأنظمة الأفريقية- أو بعضها- مع المثقف بذات العقلية التي تقمع بها التمرد المسلح؟

آدام: للأسف- الأنظمة الأفريقية خلقت ديمقراطية أسميتها ديمقراطية العسكر، وصول جنرال إلى السلطة، ومن ثم استخدام آليات الديمقراطية ضد الديمقراطية، وتظل النخبة السياسية مع العسكر والمثقف المأجور في تعديل الدستور وتنصيب الرئيس – وعملية تكريس تعديل الدستور في كل مرة يجعل المواطن يتعامل مع ما يحدث بمنطق الأمر الواقع، ويفتقد الدستور قدسيته، وتظهر أزمة الانتخابات وصناديق الاقتراع، وتخرج الأحزاب، ويبدأ العصيان من الشارع، ويرفض المواطن النتائج، وتحدث الاعتقالات التي تجرّ إلى لجوء بعض القادة للسفارات، وهروب البعض الآخر .

الأنظمة الأفريقية لا تنظر إلى المثقف باعتباره حجر عثرة في طريقها، ناقشت في الكتاب واقع المثقف وما يجده من هذه الأنظمة إن حاول الانتقاد، وأوردت العديد من الاستشهادات، فلو لاحظت أن الأنظمة لا تنخرط في أي حوار إلا إذا كان مع الحركات المسلحة، فإذا خرج خمسة عشر فردا على تاتشر جلس معهم الرئيس للتفاوض، في حين إذا اجتمع مئة أكاديمي أو أديب فلن يكترث لأمرهم.

هذه الحالة خلقت مهنة جديدة، وهي مهنة حمل السلاح، فهناك شخصيات من الساسة أو العسكر أو زعماء القبائل تحشد وتؤسس معسكرا أو حركة مسلحة في غضون أيام، ويشارك بها في مفاوضات، وأشرت لذلك في الكتاب. وتناولت قضية الحركات المسلحة نفسها، وأوردت فيها إشكاليات تأسيس الجيوش الموازية لحماية الرئيس أو تكليف الميليشيات بأدوار من صميم اختصاصات الجيش، مثل إسناد محاربة التمرد في السودان لقوات الدعم السريع، أشرت صراحة في الصفحة (45) إلى هذه الأزمة وخطورتها، وبالفعل حدث ما قلته وأصبح الأمر أسوأ كارثة في تاريخ السودان. 

معتصم: يقع القادة السياسيون غالبا في شرك التفكير الخطي عند حل المشكلات، فلا يدرسون تشابك العلاقات بين العوامل العديدة أو النظم التي أدت إلى حدوث المشكلة أو الظاهرة، فغالبا ما تكون الحلول الخطية مصحوبة بمشكلات جديدة، وهذا ما يُسمى بأثر الفراشة، في رأيك، ما مدى أهمية التحليل الثقافي أو النقد الثقافي في منهجية حل المشكلات، وتعزيز عوامل النهضة الأفريقية؟

آدام: في السابق كان القادة أدباء ومفكرين مثل: نكروما وسيكتوري وجمال عبد الناصر ومحمد أحمد المحجوب، لهذا كانت منظمة الوحدة الأفريقية تولي اهتماما بالثقافة والفكر. ولهذا يجب النظر إلى جذور المشكلة لا تهدئتها فقط، فهناك قضايا كبيرة في القارة تم إيجاد حلول لها من قبل، وإنّ خلق نظام فوضوي أو مشكلات لتدارك مشكلات أخرى أثر في أوضاع القارة، وجعلها بؤرة للكوارث، فاكتشاف الأزمة وتسليط الضوء عليها ومحاولة استئصالها أمر لا بد منه. 

معتصم: كيف نقنع المجتمعات الأفريقية بالديمقراطية، وهي قد تربت على السلطة المجتمعية بطبيعتها الموروثة، فالمشيخة في قرية ما تكون موروثة أبا عن جد، وكذلك السلطنات، وغالبا ما تستمر إلى أن يموت الشخص، أحيانا حتى الحكمة تكون خاضعة للوراثة العائلية، وأسرار التداوي الشعبي أيضا، كيف يرضى شخص تربى في هذه البيئة أن يترك الكرسي بعد دورة رئاسية واحدة؟ وهل هذا أحد أسباب تعديل الدساتير في القارة؟

آدام: إن التنشئة لها مكانة فاعلة في بناء الشخصية الديمقراطية، وذلك من خلال عدة مرتكزات تقوم عليها، مثل: الأغاني والفلكلور والشعر... وكلها عوامل تؤثر في تكوين الفرد، مثل مديح وثناء الأم، وتحريضها لطفلها على الشجار مع الصغار، أو إكثار الأناشيد الحماسية التي تنمي في الطفل التضخم والتكلف.

إن الأم تعزز الثقة في نفس ابنها، وتشبهه عادة بالفارس فلان ابن فلان أو البطل أو الأسد أو النمر، لكنها نادراً ما تقوم بتشبيهه بالعالم فلان أو الفقيه فلان.

وهذا قد يساعد على تنمية الشجاعة في الصغير، وبلا شك له أهمية في غرس قيمة الفضيلة، عندما تكون بحدود ومعقولية، لكنها تظل متكررة لدرجة أنها تعزز في نفس الصغير دلالة على نمو القوة واستخدمها. تتطور العملية في المدرسة من خلال المناهج، والتي ترفع من قدر الملوك والرؤساء والفرسان المحاربين، مع إهمال العلماء والمبدعين إلا في مقررات وصفحات محدودة.

التجربة الديمقراطية عملية تقوم على التنشئة من الطفولة، فالتنشئة تساعد بشكل كبير في إرساء الديمقراطية في البلاد، فالطفل الذي يذهب مع والديه إلى السوق، وهو لم يتعلم اختيار ألعابه بنفسه، ليس بإمكانه اختيار مرشح أو المساهمة في ممارسة العملية الديمقراطية، وقد يكون هذا الطفل يوما ما (رئيس دولة) .

فإذا اختار الطفل (لعبة) ومنعه الأب، لأنه يرى اللعبة غير لائقة مثلا اشترى دمية عروسة، لأن من عادة الأولاد أنهم لا يلعبون بالعروسة، عليه أن يعرف أولاً ما السبب في اختياره لهذه الألعاب (الدمية)، فهل هو يعاني من عدم وجود (أخت) بقربه أو (أم) مشغولة عن البيت بالخروج في كل الأوقات؟

 فهذا السلوك التعويضي يساعدك على تفهم حالته – حتى إذا اختار لعبة على هيئة (جندي عسكري) على الأب أن لا يمنعه، لأنه يريد لابنه أن يصبح طبيباً في المستقبل، ومن ثم يقوم بإجباره على اختيار سيارة أو تراكتور ..إلخ.

أيضاً نلاحظ أن الديمقراطية تُقتل في المدارس من خلال التلقين، دون إتاحة الفرصة للتلميذ أو الطالب بالمشاركة، فالمعلم كثيراً ما يُعلم التلاميذ على التلقين حتى مراحل الجامعة، دون أن يتيح فرصة للطالب على المناقشة والسؤال وإبداء الرأي، وهو ما يقود في النهاية إلى تعزيز الديكتاتورية والاستبداد.

إن الدولة التي لا تأصل ثقافة القانون، وأهميته ودوره، ولا تمنح له سلطاته الطبيعية، لا يمكنها أن تكون دولة ديمقراطية بأي حال من الأحوال. فالقانون عامل أساسي في ممارسة العملية الديمقراطية، والقانون ثقافة قبل أن يكون نظماً ولوائحا، والشخصية التي نشأت وهي تؤمن بالقوة تمارس العملية الديمقراطية كروتين يومي أو شهري أو سنوي، مثله مثل أي نظام اعتادت عليه. والسياسي الذي يقدم (سكر وشاي وبعض الاحتياجات المعيشية لسكان الأرياف والقرى الفقراء لانتخابه)، ما هو إلا دجال ومشعوذ يمارس خداعه على البسطاء.

معتصم: ما هي الجوانب السلبية في الثقافة الشعبية التي تقف أمام تقبل الديمقراطية؟

آدام: هناك نقاط لقراءة الواقع أو مداخل منها: المدخل اللغوي والمدخل العقدي والمدخل الثقافي، وهذه أبعاد مهمة لأنها مفاتيح لدراسة المشهد، فلا يمكن ممارسة السياسة بمعزل عن اللغة، أنا أحد الذين ينظرون إلى المسألة اللغوية باهتمام، وأرى من الأفضل دراسة مادة السياسات اللغوية في كل الجامعات الأفريقية ولطلاب جميع التخصصات، وهذا ما دفعني لتأليف كتاب: اللغات في إفريقيا – مثلاً يصعب عند بعض المجتمعات قبول رأى الآخر من دون التواصل معه بشكل مباشر بلغته الأم، فاللغة أحد أعمق الثقافات، والعوامل السلبية كثيرة منها: 

أولا؛ تقديس الشخوص أو الأفراد، بعض المجتمعات لن تقبل بأي منافس مهما كانت برامجه أو أفكاره أو توجهاته، لأن هذا الزعيم مقدس، لأسباب قد تكون مرتبطة بالعقيدة أو ابن الزعيم الأب-المخلص. بعص القادة من السياسيين هم رؤساء أحزاب ورجال دين وهذا طبيعي، ولكن عندما ينظر إليه باعتباره معصوما ومنزها ومباركا قد يصل الأمر للتبرك بآثاره... تظل أحد أكبر المشكلات، ومجرد انتقاده أو إرشاده تصبح أزمة. 

وثانيا؛ القبلية، القضية المتعلقة بابن القبيلة، وهذه يروج لها رؤساء الأحزاب أنفسهم بطرق سلبية، فلا يستطيع حزب منافس الدخول في مناطق محددة، لأن فيها مترشح من أبناء القبيلة، والمسائل المتعلقة بالدين والعقيدة عند بعض المجتمعات وقضايا أخرى.

معتصم: تسعى الحكومات عبر أدواتها الإعلامية ومناهجها الدراسية لتشكيل الثقافة الشعبية، بما يخدم بقاءها في السلطة أو تبرير ممارساتها عبر الخطاب الموجه لوعي الشعوب، في رأيك ما مدى أهمية دور المثقف في التحليل النقدي لخطاب السلطة لتحرير الشعوب من التنويم المغناطيسي الجمعي؟

آدام: أولاً؛ القضايا الثقافية بصفة عامة قضايا كبيرة، لهذا تعالج عبر مراحل ومؤسسات، فالدول المهتمة برفاهية الشعوب تعمل عبر منظومة متكاملة، وحتى على مستوى النخبة قاموا بتأسيس مراكز ومؤسسات، وهذا يساعد على ترابطهم ووحدتهم وقوتهم، ويصبح لكل فرد دوره، حتى إذا تعرض لسوء فهناك نوع من الحماية. لا ننفي دور المثقف لكنه ضعيف، ولا نجحف في حقه لأنه جرد من الأدوات الأساسية التي يعالج بها قضاياه (الحرية)، فالمثقف عندما لا يكون حراً فهو كالميت، فلا يمكن أن تحطم أنياب الأسد ومخالبه ليعيش بعدها فهو حتماً سيموت، فالمثقف في ظل الخوف والقمع والبطالة والفقر والاستبداد أسد بلا أنياب ومخالب، تأخذ محله كلاب بزي أسد يمثل الدور –دور مزيف.

معتصم: في كتابك، قمت بتحليل ظاهرة العنف في المجتمعات الأفريقية والأثر السياسي لها، حدثنا عن هذه الظاهرة، ودور ما يسميه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، بالعنف الرمزي، في تغذية هذه الظاهرة.

آدام: إن الفكرة (تكوين فرقة خاصة) جيش داخل جيش، تشبه ما قام به الرئيس البشير بتأسيس قوات الدعم السريع، والرئيس ديبي بتأسيس قوات الإدارة العامة للخدمات الأمنية لمؤسسة الدولة "DGSSIE"، وقد أثبتت الأيام أن المؤسسات الخاصة، التي قامت على أساس قبلي أو عرقي هي مصادر الخطر، وكذلك عملية عدم احترام الدستور والقوانين، التي ترسي في المطاف إلى دولة فاشلة تسود فيها قانون الغاب.

يلاحظ المتتبع لهذه القضايا، أن هذه الحكومات لا تمد يدها للحوار حتى بعد التمرد أو المعارضة المسلحة أو (الفئة التي لجأت إلى القوة أو إلى حمل السلاح والعنف)، إلا إذا برهنت هذه التيارات مدى قوتها وعدتها وإمكانياتها، فإذا ما أحست بخدش أو صفعة، جلست وقدمت عروضها (هنا يغيب الحوار وتتحول جلسات المفاوضات غالباً إلى صفقات أشبه بشراء أسهم أو تستجيب لمطالبهم بلا شروط وقيود) وأكثر النماذج، التي تجسد ذلك النموذج هي الدول الأفريقية.

معتصم: تحدثت أيضا عن الحركات المسلحة في أفريقيا، ما هي الجذور الثقافية أو النماذج المعرفية التي أدت لانتشار هذه الظاهرة في أفريقيا، حتى احتلت المركز الأول عالميا حسب  المسح الذي أورده الكتاب؟

آدام: إن الدول الأفريقية هي الأكثر فساداً على قائمة مؤشر الفساد الدولي منذ عام 2007، وكذلك مدرجة على مؤشر تدني التنمية البشرية منذ عام 1990. وهذا يثبت الصلة بين الفساد، وسوء الحكم والتخلف والفشل الحكومي والفشل التام في إدارة البلاد.

فالسلطة التي تستمد شرعيتها من العنف، وتجعل ذلك قاعدة بدلاً من الدستور وبدلاً من القانون، وتحول محور السلطة في شخصية الرئيس، الرجل الأقوى والرجل المتفوق، من هنا تنشأ ثقافة بين عالمين (عالم القوة) و(عالم الضعف)، تخلق هذه الحالة حالة من التمرد والعصيان والثورة والكفاح المسلح، وبجانب آخر تخلق الخوف والخنوع والركوع، ويصبح المجتمع يخاف السلطة والسلطة تخاف المجتمع.

معتصم: من المعروف أنه لا يمكن استنساخ التجارب الإنسانية في بيئة مختلفة عن تلك التي نشأت فيها التجربة، هل يمكننا التنظير لديمقراطيات أفريقية نابعة من بيئتها وموروثها الثقافي؟

آدام: العالم ليس بريئاً والبشر ليسوا ملائكة، فالمجتمع ما لم يتعافى يظل مريضا غير قادر على فعل شيء، وتتكالب عليه الدول من أجل موارده وخيراته، والتدافع بين الناس سنة كونية، فإذا كانت القبائل الأفريقية، بعض القبائل لها أنظمتها في طريقة الحكم وإدارة الحياة فمن البديهي لدولة توفرت لها الإمكانيات والأدوات أن تؤسس نظاما يساعد على النهضة والتنمية. وليس شرطا تقليد النسخة الغربية من الديمقراطية، ومن خلال التجارب والممارسة تنجح الفكرة، فالتجارب التي خلفتها الحروب والحركات المسلحة المطالبة بالحقوق فاقت الخمسمئة حركة مسلحة في تشاد مثلا،  إذا أردنا أن نحصيها وحتى اللحظة لم تستفد الأنظمة ولا القادة.

وعلى أفريقيا أن تجد ديمقراطيتها ورؤية سياسية للحكم من منطلقات موروثها المحلي، وتجنب محاولة التقليد واجترار الأفكار واستيرادها من الخارج بقشورها. من المفيد تدجين الفكر الديمقراطي بموروث الحكم المحلي، ومن شأن ذلك إثراء الفكر الإنساني. فالشعوب تشترك في بعض ثقافاتها الإنسانية، وفي الوقت نفسه لكل شعب ثقافته، وفكره ومنهجه. فالذي ينطبق على الشعوب في  الغرب، ليس بالضرورة أن ينطبق على الشعوب الإفريقية، فقد مارس الأفارقة شكلاً من أشكال الديمقراطية قبل وصول الديمقراطية الغربية.

معتصم: حدثنا عن الانقلابات العسكرية في القارة والعوامل التي تغذيها، سواء كانت ثقافية داخلية أو سياسية خارجية؟

آدام: تناولت هذه القضية في الكتاب، ومن قبل في كتاب ثقافة العنف والقوة في أنظمة الحكم الأفريقية، وتناولت قضية الحركات المسلحة وأوردت إشكاليات تأسيس الجيوش الموازية أو تكليف جماعات، تقوم بأدوار من صميم اختصاصات الجيش، وأشرت إلى بعض الأزمات في بعض الدول قبل اندلاع الحرب، وذكرت بأنه سيكون كارثة وقد حدث.   

معتصم: العنف المسلح كأكبر مهدد للديمقراطية في القارة الإفريقية، ما هي رؤيتك للحد من هذه الظاهرة للانتقال بالقارة إلى رحاب الحلول السلمية؟

آدام: في بعض المجتمعات يمكن بسهولة أن يأتي أحد أبناء الاثنية ويقوم بحشد جيش وتأسيس تنظيم مسلح، ويستحيل ذلك في مجتمعات اثنية أخرى، لأنها ستنظر –هل الأمر يستحق حمل السلاح أم لا؟ ما الدوافع والضروريات؟ هل هناك طرق أخرى لحل المشكلة بدلا من القتل والحرب؟ لأن المجتمع المتعلم لا يمكن زجه في حرب لأسباب ونزوات شخص واحد، ولا يمكن التلاعب بأفكاره لأطماع شخصية، ولهذا هناك نقاط جوهرية تساعد في الحلول السلمية، منها:

أولاً: أن يتم التركيز على التعليم من حيث بناء مشروع تعليمي، يُنمي ثقافة المواطن بمعنى اهتمام مؤسسي بخطة وأهداف بــميزانية معقولة.

 ثانياً: تفعيل القانون، فلا يمكن بناء دولة بلا قانون، فمهما عمرنا وشيدنا الطرق والمشروعات ستنهار في لحظة، لأن عالم الغابة هو سياسة القوة والعنف.